الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٧٤
يقولون هل إلى مرد من سبيل * وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم * وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل * استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لامرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الانسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الانسان كفور * لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور
____________________
يتولاه من بعد خذلانه (خاشعين) متضائلين متقاصرين مما يلحقهم (من الذل) وقد يعلق من الذل بينظرون ويوقف على خاشعين (ينظرون من طرف خفى) أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفى بمسارقة كما ترى المصبور ينظر إلى السيف، وهكذا نظر الناظر إلى المكاره لا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينيه منها كما يفعل في نظره إلى المحاب. وقيل يحشرون عميا فلا ينظرون إلا بقلوبهم، وذلك نظر من طرف خفى وفيه تعسف (يوم القيامة) إما أن يتعلق بخسروا ويكون قول المؤمنين واقعا في الدنيا، وإما أن يتعلق بقال: أي يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة (من الله) من صلة لامرد: أي لا يرده الله بعد ما حكم به، أو من صلة يأتي: أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده. والنكير الإنكار: أي ما لكم من مخلص من العذاب ولا تقدرون أن تنكروا شيئا مما اقترفتموه ودون في صحائف أعمالكم. أراد بالإنسان الجمع لا الواحد لقوله - وإن تصبهم سيئة - ولم يرد إلا المجرمين لأن إصابة السيئة بما قدمت أيديهم إنما تستقيم فيهم. والرحمة: النعمة من الصحة والغنى والأمن، والسيئة: البلاء من المرض والفقر والمخاوف، والكفور: البليغ الكفران، ولم يقل فإنه كفور ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم كما قال - إن الإنسان لظلوم كفار - إن الإنسان لربه لكنود - والمعنى: أنه يذكر البلاء وينسى النعم ويغمطها. لما ذكر إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها أتبع ذلك أن له
(٤٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 ... » »»