الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٧
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين.
____________________
أي جلدهما، ويجوز أن يكون الخبر فاجلدوا، وإنما دخلت الفاء لكون الألف واللام بمعنى الذي، وتضمينه معنى الشرط، تقديره: التي زنت والذي زنى فاجلدوهما، كما تقول: من زنى فاجلدوه، وكقوله - والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم - وقرئ بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر، وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الامر. وقرئ والزان بلاياء. والجلد ضرب الجلد، يقال جلده كقولك ظهره وبطنه ورأسه.
فإن قلت: أهذا حكم جميع الزناة والزواني أم حكم بعضهم؟ قلت: بل هو حكم من ليس بمحض منهم، فإن المحصن حكمه الرجم، وشرائط الاحصان عند أبي حيفة ست: الاسلام والحرية والعقل والبلوغ والتزوج بنكاح صحيح والدخول، وإذا فقدت واحدة منها فلا إحصان. وعند الشافعي: الاسلام ليس بشرط لما روى " أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا " وحجة أبي حنيفة قوله صلى الله عليه وسلم " من أشرك بالله فليس بمحصن " فإن قلت: اللفظ يقتضى تعليق الحكم بجميع الزناة والزواني لان قوله الزانية والزاني عام في الجميع يتناول المحصن وغير المحصن. قلت: الزانية والزاني يدلان على الجنسين المنافيين لجنسي العفيف والعفيفة دلالة مطلقة، والجنسية قائمة في الكل والبعض جميعا، فأيهما قصد المتكلم فلا عليه كما يفعل بالاسم المشترك. وقرئ ولا يأخذكم بالياء ورأفة بفتح الهمزة ورآفة على فعالة، والمعنى: أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في الدين الله ويستعملوا الجد والمتانة فيه ولا يأخذهم اللين والهوادة في استيفاء حدوده، وكفى برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة في ذلك حيث قال " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " وقوله (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) من باب التهييج وإلهاب الغضب لله ولدينه. وقيل لا تترحموا عليهما حتى لا تعطلوا الحدود أو حتى لا توجعوهما ضربا، وفى الحديث " يؤتى بوال نقص من الحد سوطا فيقول رحمة لعبادك، فيقال له أأنت أرحم بهم منى؟ فيؤمر به إلى النار، ويؤتى بمن زاد سوطا فيقول لينتهوا عن معاصيك، فيؤمر به إلى النار " وعن أبي هريرة " إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة " وعلى الامام أن ينصب للحدود رجلا عالما بصيرا يعقل كيف يضرب، والرجل يجلد قائما على مجرده ليس عليه إلا إزاره ضربا وسطا لا مبرحا ولا هينا مفرقا على الأعضاء كله لا يستثنى منها إلا ثلاثة الوجه
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»