الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٠
إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم. والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
____________________
أولا ثم قدم عليها ثانيا؟ قلت: سيقت تلك الآية بعقوبتهما على ما جنيا، والمرأة هي المادة التي منها نشأت الجناية لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن، فلما كانت أصلا وأولا في ذلك بدئ بذكرها وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح، والرجل أصل فيه لأنه هو الراغب والحاطب ومنه يبدأ الطلب. وعن عمرو بن عبيد رضي الله عنه: لا ينكح بالجزم على النهى والمرفوع فيه أيضا معنى النهى ولكن أبلغ وآكد، كما أن رحمك الله ويرحمك أبلغ من ليرحمك. ويجوز أن يكون خبرا محضا على معنى أن عادتهم جارية على ذلك، وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها. وقرئ وحرم بفتح الحاء. القذف يكون بالزنا وبغيره. والذي دل على أن المراد قذفهن بالزنا شيئان أحدهما: ذكر المحصنات عقيب الزواني والثاني اشتراط أربعة شهداء لان القذف بغير الزنا يكفي فيه شاهدان. والقذف بالزنا أن يقول الحر العاقل البالغ لمحصنة يا زانية، أو لمحصن يا زاني يا ابن الزاني يا ابن الزانية يا ولد الزنا لست لأبيك لست لرشدة. والقذف بغير الزنا أن يقول يا آكل الربا يا شارب الخمر يا يهودي يا مجوسي يا فاسق يا خبيث يا ماص بظر أمه، فعليه التعزير ولا يبلغ به أدنى حد العبيد وهو أربعون بل ينقص منه. وقال أبو يوسف: يجوز أن يبلغ به تسعة وسبعون وقال: للامام أن يعزر إلى المائة. وشروط إحصان القذف خمسة: الحرية والبلوغ، والعقل، والاسلام، والعفة. وقرئ بأربعة شهداء بالتنوين وشهداء صفة. فإن قلت: كيف يشهدون مجتمعين أو متفرقين؟ قلت: الواجب عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أن يحضروا في مجلس واحد، وإن جاءوا متفرقين كانوا قذفة وعند الشافعي رضي الله عنه يجوز أن يحضروا متفرقين. فإن قلت: هي يجوز أن يكون زوج المقذوفة واحدا منهم؟ قلت: بجوز عند أبي حنيفة خلافا للشافعي.
فإن قلت: كيف يجلد القاذف؟ قلت: كما جلد الزاني، إلا أنه لا ينزع عنه من ثيابه إلا ما ينزع عن المرأة من الحشو والفرو والقاذفة أيضا كالزانية، وأشد الضرب ضرب التعزير ثم ضرب الزنا ثم ضرب شرب الخمر ثم ضرب القاذف، قالوا: لان سبب عقوبته محتمل للصدق والكذب، إلا أنه عوقب صيانة للاعراض وردعا عن هتكها.
فإن قلت: فإذا لم يكن المقذوف محصنا؟ قلت: يعزر القاذف ولا يحد إلا أن يكون المقذوف معروفا بما قذف به فلا حد ولا تعزير. رد شهادة القاذف معلق عند أبي حنيفة رضى الله عند باستيفاء الحد، فإذا شهد به قبل الحد أو قبل تمام استيفائه قبلت شهادته، فإذا استوفى لم تقبل شهادة أبدا وإن تاب وكان من الأبرار والأتقياء. وعند الشافعي رضي الله عنه: يتعلق رد شهادته بنفس القذف، فإذا تاب عن القذف بأن رجع عنه عاد مقبول الشهادة، وكلاهما متمسك بالآية. فأبو حنيفة رضي الله عنه جعل جزاء الشرط الذي هو الرمي الجلد ورد الشهادة عقيب الجلد على التأبيد، فكانوا مردودي الشهادة عنده في أبدهم وهو مدة حياتهم وجعل قوله - وأولئك هم الفاسقون - كلاما مستأنفا غير داخل في حيز جزاء الشرط كأنه حكاية حال الرامين عند الله بعد انقضاء الجملة الشرطية، و (إلا الذين تابوا) استثناء من الفاسقين ويدل عليه قوله (فإن الله غفور رحيم) والشافعي رضي الله عنه جعل
(٥٠)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»