الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٥٣
* إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياءكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم * ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين * ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم
____________________
بالسكون فهو استعطاء معناه أعطني ثوبك، ونظيره اشتهار الإيتاء في معنى الإعطاء وأصله الإحضار (ثم) لتراخى الاستقامة عن الإقرار في المرتبة، وفضلها عليه لأن الاستقامة لها الشأن كله ونحوه قوله تعالى - إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا - والمعنى: ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه استقاموا فعلا كما استقاموا قولا، وعنه أنه تلاها ثم قال: ما تقولون فيها؟ قالوا: لم يذنبوا، قال: حملتم الأمر على أشده، قالوا: فما تقول؟ قال: لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وعن عمر رضي الله عنه استقاموا على الطريقة:
لم يروغوا روغان الثعالب. وعن عثمان رضي الله عنه: أخلصوا العمل. وعن علي رضي الله عنه: أدوا الفرائض.
وقال سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه " قلت: يا رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به، قال: قل ربى الله ثم استقم، قال: فقلت ما أخوف ما تخاف على؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال: هذا " (تتنزل عليهم الملائكة) عند الموت بالبشرى. وقيل البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وإذا قاموا من قبورهم (ألا تخافوا) أن بمعنى أي أو مخففة من الثقيلة وأصله بأنه لا تخافوا والهاء ضمير الشأن. وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: لا تخافوا: أي يقولون لا تخافوا، والخوف غم يلحق لتوقع المكروه، والحزن عما يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار. والمعنى أن الله كتب لكم الأمن من كل غم فلن تذوقوه أبدا. وقيل لا تخافوا ما تقدمون عليه ولا تحزنوا على ما خلفتم. كما أن الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم فكذلك الملائكة أولياء المتقين وأحباؤهم في الدارين (تدعون) تتمنون. والنزل رزق النزيل وهو الضيف وانتصابه على الحال (ممن دعا إلى الله) عن ابن عباس رضي الله عنهما: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى الإسلام (وعمل صالحا) فيما بينه وبين ربه وجعل الإسلام نحلة له. وعنه أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عائشة رضي الله عنها: ما كنا نشك أن هذه الآية نزلت في المؤذنين وهى عامة في كل من جمع بين هذه الثلاث أن يكون موحدا معتقدا لدين الإسلام عاملا بالخير داعيا إليه وما هم إلا طبقة العالمين العاملين من أهل العدل والتوحيد الدعاة إلى دين الله، وقوله (وقال إنني من المسلمين) ليس الغرض أنه تكلم بهذا الكلام ولكن جعل دين الإسلام مذهبه ومعتقده كما تقول: هذا قول أبي حنيفة، تريد مذهبه: يعنى أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك، ومثال
(٤٥٣)
مفاتيح البحث: الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»