____________________
للاتباع وناء على القلب كما قالوا راء في رأى. فإن قلت: حقق لي معنى قوله تعالى - ونأى بجانبه - قلت: فيه وجهان: أن يوضع جانبه موضع نفسه كما ذكرنا في قوله تعالى - على ما فرطت في جنب الله - أن مكان الشئ وجهته ينزل منزلة الشئ نفسه، ومنه قوله * ونفيت عنه مقام الذئب * يريد ونفيت عنه الذئب، ومنه - ولمن خاف مقام ربه - ومنه قول الكتاب حضرة فلان ومجلسه وكتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز يريدون نفسه وذاته فكأنه قال: ونأى بنفسه كقولهم في المتكبر ذهب بنفسه وذهبت به الخيلاء كل مذهب وعصفت به الخيلاء، وأن يراد بجانبه عطفه ويكون عبارة عن الانحراف والازورار كما قالوا ثنى عطفه وتولى بركنه (أرأيتم) أخبروني (إن كان) القرآن (من عند الله) يعنى أن ما أنتم عليه من إنكار القرآن وتكذيبه ليس بأمر صادر عن حجة قاطعة حصلتم منها على اليقين وثلج الصدور، وإنما هو قبل النظر واتباع الدليل أمر محتمل يجوز أن يكون من عند الله وأن لا يكون من عنده وأنتم لم تنظروا ولم تفحصوا، فما أنكرتم أن يكون حقا وقد كفرتم به فأخبروني من أضل منكم وأنتم أبعدتم الشوط في مشاقته ومناصبته ولعله حق فأهلكتم أنفسكم، وقوله تعالى (ممن هو في شقاق بعيد) موضوع موضع منكم بيانا لحالهم وصفتهم (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) يعنى ما يسر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وللخلفاء من بعده ونصار دينه في آفاق الدنيا وبلاد المشرق والمغرب عموما وفي باحة العرب خصوصا من الفتوح التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة، وتغليب قليلهم على كثيرهم، وتسليط ضعافهم على أقويائهم، وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة من المعهود خارقة للعادات، ونشر دعوة الإسلام في أقطار المعمورة وبسط دولته في أقاصيها، والاستقراء يطلعك في التواريخ والكتب المدونة في مشاهد أهله وأيامهم على عجائب، لا ترى وقعة من وقائعهم إلا علما من أعلام الله وآية من آياته يقوى معها اليقين ويزداد بها الإيمان ويتبين أن دين الإسلام هو دين الحق الذي لا يحيد عنه إلا مكابر حسه مغالط نفسه، وما الثبات والاستقامة إلا صفة الحق والصدق، كما أن الاضطراب والتزلزل صفة الفرية والزور وأن للباطل ريحا تخفق ثم تسكن ودولة تظهر ثم تضمحل (بربك) في موضع الرفع على أنه فاعل كفى، و (أنه على كل شئ شهيد) بدل منه تقديره: أولم يكفهم أن ربك على كل شئ شهيد، ومعناه: أن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شئ شهيد: أي مطلع مهيمن يستوى عنده غيبه وشهادته، فيكفيهم ذلك دليلا على أنه حق وأنه من عنده، ولو لم يكن كذلك لما قوى هذه القوة ولما نصر حاملوه هذه النصرة. وقرئ في مرية بالضم وهى الشك (محيط) عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها، فلا تخفى عليه خافية منهم وهو مجازيهم على كفرهم