الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٥٢
وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين * وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون * فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون * ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون * وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين
____________________
وما خلفهم) ما تقدم من أعمالهم وما هم عازمون عليها أو ما بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات وما خلفهم من أمر العاقبة وأن لابعث ولا حساب (وحق عليهم القول) يعنى كلمة العذاب (في أمم) في جملة أمم، ومثل في هذه ما في قوله:
إن تك عن أحسن الصنيعة ماء * فوكا ففي آخرين قد أفكوا يريد فأنت في جملة آخرين وأنت في عداد آخرين لست في ذلك بأوحد. فإن قلت: في أمم ما محله؟ قلت: محله النصب على الحال من الضمير في عليهم: أي حق عليهم القول كائنين في جملة أمم (إنهم كانوا خاسرين) تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير لهم وللأمم. قرئ والغوا فيه بفتح الغين وضمها، يقال لغى يلغى ولغا يلغو، واللغو الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته، قال: * من اللغا ورفث التكلم * والمعنى: لا تسمعوا له إذا قرئ وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات والهذيان والزمل وما أشبه ذلك حتى تخلطوا على القارئ وتشوشوا عليه وتغلبوه على قراءته. كانت قريش يوصى بذلك بعضهم بعضا بذلك (فلنذيقن الذين كفروا) يجوز أن يريد بالذين كفروا هؤلاء اللاغين والآمرين لهم باللغو خاصة، وأن يذكر الذين كفروا عامة لينطووا تحت ذكرهم. وقد ذكرنا إضافة أسوأ بما أغنى عن إعادته، وعن ابن عباس (عذابا شديدا) يوم بدر، و (أسوأ الذي كانوا يعملون) في الآخرة (ذلك) إشارة إلى الأسوأ، ويجب أن يكون التقدير أسوأ جزاء الذين كانوا يعملون حتى تستقيم هذه الإشارة، و (النار) عطف بيان للجزاء أو خبر مبتدأ محذوف. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى (لهم فيها دار الخلد)؟
قلت: معناه أن النار في نفسها دار الخلد كقوله تعالى - لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة - والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وتقول لك في هذه الدار دار السرور وأنت تعنى الدار بعينها (جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون) أي جزاء بما كانوا يلغون فيها، فذكر الجحود الذي هو سبب اللغو (اللذين أضلانا أي الشياطين اللذين أضلانا (من الجن والإنس) لأن الشيطان على ضربين جنى وإنسي قال الله تعالى - وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن - وقال تعالى - الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس - وقيل هما إبليس وقابيل لأنهما سنا الكفر والقتل بغير حق. وقرئ أرنا بسكون الراء لثقل الكسرة كما قالوا في فخذ فخذ، وقيل معناه: أعطنا اللذين أضلانا. وحكوا عن الخليل أنك إذا قلت أرنى ثوبك بالكسر فالمعنى بصرنيه، وإذا قلته
(٤٥٢)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»