الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٤٩
يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون * وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى
____________________
والشدة والصلابة في البنية وحقيقتها زيادة القدرة، فكما صح أن يقال الله أقدر منهم جاز أن يقال أقوى منهم على معنى أنه يقدر لذاته على ما لا يقدرون عليه بازدياد قدرهم (يجحدون) كانوا يعرفون أنها حق ولكنهم جحدوها كما يجحد المودع الوديعة، وهو معطوف على فاستكبروا: أي كانوا كفرة فسقة. الصرصر: العاصفة التي تصرصر:
أي تصوت في هبوبها، وقيل الباردة التي تحرق بشدة بردها، تكرير لبناء الصر وهو البرد الذي يصر: أي يجمع ويقبض (نحسات) قرئ بكسر الحاء وسكونها ونحس نحسا نقيض سعد سعدا وهو نحس، وأما نحس فإما مخفف نحس أو صفة على فعل كالضخم وشبهه أو وصف بمصدر. وقرئ لتذيقهم على أن الإذاقة للريح أو للأيام النحسات. وأضاف العذاب إلى الخزي وهو الذل والاستكانة على أنه وصف للعذاب كأنه قال عذاب خزى، كما تقول فعل السوء تريد الفعل السيئ، والدليل عليه قوله تعالى (ولعذاب الآخرة أخزى) وهو من الإسناد المجازى ووصف العذاب بالخزي أبلغ من وصفهم به، ألا ترى إلى البون بين قوليت هو شاعر وله شعر شاعر. وقرئ ثمود بالرفع والنصب منونا وغير منون والرفع أفصح لوقوعه بعد حرف الابتداء، وقرئ بضم الثاء (فهديناهم) فدللناهم على طريقي الضلالة والرشد كقوله تعالى - وهديناه النجدين - (فاستحبوا العمى على الهدى) فاختاروا
(٤٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 ... » »»