الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٨
أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين. وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم. وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون * ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون. ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون.
____________________
المخلصين - وقرئ بذكراهم. قرئ خراجا فخراج وخرجا فخراج وهو ما تخرجه إلى الامام من زكاة أرضك وإلى كل عامل من أجرته وجعله. وقيل الخرج ما تبرعت به، والخراج ما لزمك أداؤه، والوجه أن الخرج أخص من الخراج كقولك خراج القرية وخرج الكردة زيادة اللفظ لزيادة المعنى، ولذلك حسنت قراءة من قرأ خرجا فخراج ربك: يعنى أم تسألهم على هدايتك لهم قليلا من عطاء الخلق، فالكثير من عطاء الخالق خير. قد ألزمهم الحجة في هذه الآيات وقطع معاذيرهم وعللهم بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله مخبور سره وعلنه خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم، وأنه لم يعرض له حتى يدعى بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ولم يجعل ذلك سلما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم، ولم يدعهم إلا إلى دين الاسلام الذي هو الصراط المسقيم مع إبراز المكنون من ادوائهم وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل، واستهتارهم بدين الاباء الضلال من غير برهان، وتعللهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيرة، وكراهتهم للحق وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر. يحتمل أن هؤلاء وصفتهم أنهم لا يؤمنون بالآخرة (لناكبون) أي عادلون عن هذا الصراط المذكور وهو قوله - إلى صراط مستقيم - وأن كل من لا يؤمن بالآخرة فهو عن القصد ناكب. لما أسلم ثمامة ابن أثال الحنفي ولحق باليمامة ومنع الميرة من أهل مكة وأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز، جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال: بلى، فقال: قتلت الاباء بالسيف والأبناء بالجوع. والمعنى: لو كشف الله عنهم هذا الضر وهو الهزال والقحط الذي أصابهم برجمته عليهم ووجدوا الخصب لارتدوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وإفراطهم فيها، ولذهب عنهم هذا الابلاس وهذا التملق بين يديه ويسترحمونه. واستشهد على ذلك بأنا أخذناهم أولا بالسيوف وبما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم وأسرهم، فما وجدت منهم بعد ذلك استكانة ولا تضرع حتى فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل وهو أطم العذاب، فأبلسوا الساعة وخضعت رقابهم وجاء أعتاهم وأشدهم شكيمة في العناد يستعطفك، أو محناهم بكل محنة من القتل والجوع فما رؤي فيهم لين مقادة وهم كذلك حتى إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون كقوله - ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون - لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون - والابلاس: اليأس من كل خير، وقيل السكوت مع التحير. فإن قلت:
ما وزن استكان؟ قلت: استفعل من الكون أي انتقل من كون إلى كون، كما قيل استحال إذا انتقل من حال إلى
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»