الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٣
فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون. ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين. إلى فرعون و ملاه فاستكبروا وكانوا قوما عالين.
فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون. فكذبوهما فكانوا من المهلكين.
ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون. وجعلنا ابن مريم وأمة آية وآوينا هما إلى ربوة ذات قرار ومعين.
____________________
الواو كما في تولج وتيقور: أي متواترين واحدا بعد واحد من الوتر وهو الفرد، أضاف الرسل إليه تعالى وإلى أممهم - ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات - ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات - لان الإضافة تكون بالملابسة، والرسول ملابس المرسل والمرسل إليه جميعا (فأتبعنا) الأمم أو القرون (بعضهم بعضا) في الاهلاك (وجعلناهم) أخبارا يسمر بها ويتعجب منها. الأحاديث تكون اسم جمع للحديث، ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكون جمعا للأحدوثة التي هي مثل الأضحوكة والألعوبة والأعجوبة وهى مما يتحدث به الناس تلهيا وتعجبا وهو المراد ههنا.
فإن قلت: ما المراد بالسلطان المبين؟ قلت: يجوز أن تراد العصا لأنها كانت أم آيات موسى وأولاها، وقد تعلقت بها معجزات شتى من انقلابها حية وتلقفها ما أفكته السحرة وانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها وكونها حارسا وشمعة وشجرة خضراء مثمرة ودلوا ورشاء، جعلت كأنها ليست بعضها لما استبدت به من الفضل فلذلك عطفت عليها كقوله تعالى - وجبريل وميكال - ويجوز أن تراد الآيات أنفسها: أي هي آيات وحجة بينة (عالين) متكبرين - إن فرعون علا في الأرض - لا يريدون علوا في الأرض أو متطاولين على الناس قاهرين بالبغي والظلم. البشر يكون واحد وجمعا - بشرا سويا - لبشرين - فإما ترين من البشر - ومثل وغير يوصف بهما الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث - إنكم إذا مثلهم - ومن الأرض مثلهن - ويقال أيضا هما مثلاه وهم أمثاله - - إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم - (وقومهما) يعنى بني إسرائيل كأنهم يعبدوننا خضوعا وتذللا، أو لأنه كان يدعى الإلهية فادعى للناس العبادة، وأن طاعتهم له عبادة على الحقيقة (موسى الكتاب) أي قوم موسى التوراة (لعلهم) يعملون بشرائعها ومواعظها كما قال - على خوف من فرعون وملئهم - يريد آل فرعون، وكما يقولون هاشم وثقيف وتميم ويراد قومهم. ولا يجوز أن يرجع الضمير في لعلهم إلى فرعون وملئه لان التوراة إنما أوتيها بنو إسرائيل بعد إغراق فرعون وملئه - ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى - فإن قلت:
لو قيل آيتين هل كان يكون له وجه؟ قلت: نعم لان مريم ولدت من يغر مسيس وعيسى روح من الله ألقى إليها وقد تكلم في المهد، وكان يحيى الموتى مع معجزات أخر، فكان آية من غير وجه، واللفظ محتمل للتثنية على تقدير (وجعلنا ابن مريم) آية (وأمه آية) ثم حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها. الربوة والرباوة في رائهما الحركات.
وقرئ ربوة ورباوة بالضم ورباوة بالكسر وهى الأرض المرتفعة، قيل هي إيليا أرض بيت المقدس، وأنها كبد الأرض، وأقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا عن كعب. وقيل دمشق وغوطتها. وعن الحسن: فلسطين والرملة. وعن أبي هريرة: الزموا هذه الرملة رملة فلسطين، فإنها الربوة التي ذكرها الله وقيل مصر. والقرار
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»