الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٧
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم على صلواتهم يحافظون. أولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقناكم النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر
____________________
المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج إذا صح النكاح. وقرئ (لأمانتهم) سمى الشئ المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهدا، ومنه قوله تعالى - إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها - وقال - وتخونوا أماناتكم - وإنما تؤدى العيون لا المعاني، ويخان المؤتمن عليه لا الأمانة في نفسها. والراعي: القائم على الشئ بحفظ وإصلاح كراعي الغنم وراعى الرعية، ويقال من راعى هذا الشئ: أي متوليه وصاحبه، ويحتمل العموم في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله تعالى ومن جهة الخلق والخصوص فيما حملوه أمانات الناس وعهودهم. وقرئ (على صلاتهم). فإن قلت: كيف كرر ذكر الصلاة أولا وآخرا؟ قلت: هما ذكران مختلفان فليس بتكرير، ووصفوا أولا بالخشوع في صلاتهم وآخرا بالمحافظة عليها، وذلك أن لا يسهوا عنها ويؤدوها في أوقاتها ويقيموا أركانها ويوكلوا نفوسهم بالاهتمام بها وبما ينبغي أن تتم به أوصافها. وأيضا فقد وحدت أو لا ليفاد الخشوع في جنس الصلاة، أي صلاة كانت، وجمعت آخرا لتفاد المحافظة على أعدادها، وهى: الصلوات الخمس، والوتر، والتسنن المرتبة مع كل صلاة، وصلاة الجمعة، والعيدين، والجنازة، والاستسقاء، والكسوف، والخسوف، وصلاة الضحى، والتهجد، وصلاة التسبيح، وصلاة الحاجة وغيرها من النوافل: أي (أولئك) الجامعون لهذه الأوصاف (هم الوارثون) الأحقاء بأن يسموا وراثا دون من عداهم ثم ترجم الوارثين بقوله (الذين يرثون الفردوس) فجاء بفخامة وجزالة لارثهم لا تخفى على الناظر، ومعنى الإرث ما مر في سورة مريم. أنث الفردوس على تأويل الجنة وهو البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر. روى أن الله عز وجل بنى جنة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وجعل خلالها المسك الأذفر. وفى رواية: ولبنة من مسك مذرى، وغرس فيها من جيد الفاكهة وجيد الريحان. السلالة: الخلاصة لأنها تسل من بين الكدر، وفعالة بناء للقلة كالقلامة والقمامة. وعن الحسن: ماء بين ظهراني الطين. فإن قلت: ما الفرق بين من ومن؟ قلت: الأول للابتداء والثاني للبيان كقوله من الأوثان.
فإن قلت: ما معنى (جعلنا الانسان (نطفة)؟ قلت: معناه أنه خلق جوهر الانسان أولا طينا ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة. القرار: المستقر والمراد الرحم، وصفت بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها كقولك طريق سائر أو بمكانتها في نفسها لأنها مكنت بحيث هي وأحرزت. قرئ عظما فكسونا العظم وعظاما فكسونا العظام وعظما فكسونا العظام وعظاما فكسونا العظم وضع الواحد مكان الجمع لزوال اللبس لان الانسان ذو عظام كثيرة (خلقا آخر) أي خلقا مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيوانا وكان حمادا وناطقا وكان أبكم وسميعا وكان أصم وبصيرا وكان أكمه وأودع باطنه وظاهره بل كل عضو من أعضائه وكل جزء من أجزائه عجائب فطرة وغرائب حكمة لا تدرك بوصف الواصف ولا تبلغ بشرح الشارح، وقد احتج به أبو حنيفة فيمن غصب بيضة فأفرخت
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»