الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٠
وهو الذي أنشأ لكم السمع والابصار والأفئدة قليلا ما تشكرون. وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون. وهو الذي يحيى ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون. بل قالوا مثل ما قال الأولون. قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون. لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين. قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون الله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون الله قل فأنى تسحرون. بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون. ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله.
____________________
عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذ كانوا يجحدون بآيات الله - ومقدمة شكر النعمة فيها الاقرار بالمنعم بها وأن لا يجعل له ند ولا شريك: أي تشكرون شكرا قليلا، و (ما) مزيدة للتأكيد بمعنى حقا (ذرأكم) خلقكم وبثكم بالتناسل (وإليه) تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم (وله اختلاف الليل والنهار) أي هو مختص به وهو متوليه ولا يقدر على تصريفهما غيره وقرئ يعقلون بالياء عن أبي عمرو أي قال مكة كما قال الكفار قبلهم الأساطير جمع أسطار جمع سطر، قال رؤبة * إني وأسطار سطرن سطرا * وهى ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له وجمع أسطورة أوفق، أي أجيبوني عما استعلمتم منه إن كان عندكم فيه علم. وفيه استهانة بهم وتجويز لفرط جهالتهم بالديانات أن يجهلوا مثل هذا الظاهر البين. وقرئ تذكرون بحذف التاء الثانية، ومعناه: أفلا تتذكرون فتعلموا أن من فطر الأرض ومن فيها اختراعا كان قادرا على إعادة الخلق وكان حقيقا بأن لا يشرك به بعض خلقه في الربوبية قرئ الأول باللام لاغير والأخيران باللام، وهو هكذا في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشأم، وبغير اللام وهو هكذا في مصاحف أهل البصرة، فباللام على المعنى لان قولك من ربه ولمن هو في معنى واحد، وبغير اللام على لفظ. ويجوز قراءة الأول بغير لام ولكنها لم تثبت في الرواية (أفلا تتقون) أفلا تخافونه فلا تشركوا به وتعصوا رسله. أجرت فلانا على فلان إذا أغثته منه ومنعته، يعنى وهو يغيث من يشاء ممن يشاء ولا يغيث أحد منه أحدا (تسحرون) تخدعون عن توحيده وطاعته والخادع هو الشيطان والهوى. وقرئ أتيتهم وأتيتهم بالفتح والضم (بالحق) بأن نسبة الولد إليه محال والشرك باطل (وإنهم لكاذبون) حيث يدعون له ولدا ومعه شريكا (لذهب كل إله بما خلق) لانفرد كل واحد من الألهة بخلقه الذي خلقه واستبد به، ولرأيتم ملك كل واحد منهم متميزا من ملك الآخرين ولغلب بعضهم بعضا، كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متمايزة وهم تغالبون، وحين لم تروا أثرا لتمايز الممالك وللتغالب فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شئ. فإن قلت: إذا لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، فكيف وقع قوله لذهب جزاء وجوابا ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل؟ قلت: الشرط محذوف تقديره
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»