الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٤
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم. وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون. فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون. فذرهم في غمرتهم حتى حين. أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين.
____________________
المستقر من أرض مستوية منبسطة. وعن قتادة: ذات ثمار وماء، يعنى أنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها، والمعين: الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض وقد اختلف في زيادة ميمه وأصالته، فوجه من جعله مفعولا أنه مدرك بالعين لظهوره من عانه إذا أدركه بعينه نحو ركبه إذا ضربه بركبته، ووجه من جعله فعيلا أنه نفاع بظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة. هذا النداء والخطاب ليسا على ظاهرهما، وكيف والرسل إنما أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة، وإنما المعنى: الاعلام بأن كل رسول في زمانه نودي لذلك ووصى به ليعتقد السامع أن أمرا نودي له جميع الرسل ووصوا به حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه. والمراد بالطيبات ما حل وطاب. وقيل طيبات الرزق: حلال، وصاف، وقوام. فالحلال الذي لا يعصى الله فيه، والصافي الذي لا ينسى الله فيه، والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل. أو أريد ما يستطاب ويستلذ من المآكل والفواكه: ويشهد له مجيئه على عقب قوله - وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين - ويجوز أن يقع هذا الاعلام عند إيواء عيسى ومريم إلى الربوة فذكر على سبيل الحكاية: أي آويناهما وقنا لهما هذا: أي أعلمناهما أن الرسل كلهم خوطبوا بهذا فكلا مما رزقنا كما واعملا صالحا اقتداء بالرسل. قرئ (وإن) بالكسر على الاستئناف، وأن بمعنى ولان وأن مخففة من الثقيلة، و (أمتكم) مرفوعة معها. وقرئ (زبرا) جمع زبور: أي كتبا مختلفة، يعنى جعلوا دينهم أديانا، وزبرا قطعا استعيرت من زبر الفضة والحديد، وزبرا مخففة الباء كرسل في رسل: أي كل فرقة من فرق هؤلاء المختلفين المتقطعين دينهم فرح بباطله مطمئنا لنفس معتقد أنه على الحق. الغمرة: الماء الذي يغمر القامة، فضربت مثلا لما هم مغمورون فيه من جهلهم وعمايتهم، أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم عليه من الباطل، قال:
* كأنني ضارب في غمرة لعب * وعن علي رضي الله عنه في غمراتهم (حتى حين) إلى أن يقتلوا أو يموتوا،
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»