الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٢
أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون * هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين. إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين. قال رب انصرني بما كذبون. قال عما قليل ليصبحن نادمين. فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين.
ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين. ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون. ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه.
____________________
بالظرف، ومخرجون خبر عن الأول أو جعل أنكم مخرجون مبتدأ، وإذا متم خبرا على معنى إخراجكم إذا متم، ثم أخبر بالجملة عن أنكم أو رفع أنكم مخرجون بفعل هو جزاء للشرط كأنه قيل: إذا متم وقع إخراجكم، ثم أوقعت الجملة الشرطية خبرا عن أنكم. وفي قراءة ابن مسعود أيعدكم إذا متم. قرئ (هيهات) بالفتح والكسر والضم كلها بتنوين وبلا تنوين وبالسكون على لفظ الوقت. فإن قلت: ما توعدون هو المستبعد ومن حقه أن يرتفع بهيهات كما ارتفع في قوله * فهيهات هيهات العقيق وأهله * فما هذه اللام؟ قلت: قال الزجاج في تفسيره:
البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فيمن نون فنزله منزلة المصدر. وفيه وجه آخر وهو أن يكون اللام لبيان المستبعد ما هو بعد التصويب بكلمة الاستبعاد كما جاءت اللام في - هيت لك - لبيان المهيت به. هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه وأصله إن الحياة (إلا حياتنا الدنيا) ثم وضع هي موضع الحياة لان الخبر يدل عليها ويبينها، ومنه: هي النفس تتحمل ما حملت، وهى العرب تقول ما شاءت، والمعنى: لا حياة إلا هذه الحياة، لان إن النافية دخلت على هي التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت لا التي نفت ما بعدها نفى الجنس (نموت ونحيا) أي يموت بعض ويولد بعض، ينقرض قرن ويأتي قرن آخر. ثم قالوا: ما هود إلا مفتر على الله فيما يدعيه من استنبائه له وفيما يعدنا من البعث وما نحن بمصدقين (قليل) صفة للزمان كقديم وحديث في قولك ما رأيته قديما ولا حديثا، وفى معناه عن قريب، وما توكيد لمعنى قلة المدة وقصرها (الصيحة) صيحة جبريل عليه السلام صاح عليهم فدمرهم (بالحق) بالوجوب لانهم قد استوجبوا الهلاك أو بالعدل من الله، من قولك فلان يقضى بالحق إذا كان عادلا في قضاياه. شبههم في دمارهم بالغثاء وهو حميل السيل مما بلى واسود من العيدان والورق، ومنه قوله تعالى - فجعله غثاء أحوى - قد جاء مشددا في قول امرئ القيس:
* من السيل والغثاء فلكة مغزل * بعدا وسحقا ودفرا ونحوها مصادر موضوعة مواضع أفعالها وهى من جملة المصادر التي قال سيبويه نصبت بأفعال لا يستعمل إظهارها، ومعنى بعدا بعدوا: أي هلكوا، يقال بعد بعدا ويعدا نحو رشد رشدا ورشدا، و (للقوم الظالمين) بيان لمن دعى عليه بالبعد نحوه - هيت لك - و- لما توعدون - (قرونا) قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: بني إسرائيل (أجلها) الوقت الذي حد لهلاكها وكتب (تترى) فعلى الألف للتأنيث لان الرسل جماعة. وقرئ تترى بالتنوين والتاء بدل من
(٣٢)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»