الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٢٠
كذبت قوم نوح المرسلين. إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون. إني لكم رسول أمين. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين.
فاتقوا الله وأطيعون. قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون. قال وما علمي بما كانوا يعملون. إن حسابهم إلا على ربى لو تشعرون.
____________________
قويمة. ونظير قوله (المرسلين) والمراد نوح عليه السلام قولك فلان يركب الدواب ويلبس البرود وما له إلا دابة وبرد. قيل أخوهم لأنه كان منهم من قول العرب يا أخا بنى تميم يريدون يا واحد منهم، ومنه بيت الحماسة:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا كان أمينا فيهم مشهورا بالأمانة كمحمد صلى الله عليه وسلم في قريش (وأطيعون) في نصحي لكم وفى ما أدعوكم إليه من الحق (عليه) على هذا الأمر وعلى ما أنا فيه، يعنى: دعاءه ونصحه. ومعنى: - فاتقوا الله وأطيعون - فاتقوا الله في طاعتي، وكرره ليؤكد عليهم ويقرره في نفوسهم مع تعليق كل واحدة منهما بعلة، جعل علة الأول كونه أمينا فيما بينهم، وفى الثاني حسم طمعه عنهم وقرئ وأتباعك جمع تابع كشاهد وأشهاد أو جمع تبع كبطل وأبطال والواو للحال وحقها أن يضمر بعدها قد في " واتبعك ". وقد جمع الأرذل على الصحة وعلى التكسير في قوله - الذين هم أراذلنا - والرذالة والنذالة الخسة والدناءة، وإنما استرذلوهم لاتضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا، وقيل كانوا من أهل الصناعات الدنية كالحياكة والحجامة والصناعة لا تزرى بالديانة وهكذا كانت قريش تقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زالت أتباع الأنبياء كذلك حتى صارت من سماتهم وأماراتهم، ألا ترى إلى هرقل حين سأل أبا سفيان عن أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال ضعفاء الناس وأراذلهم قال: ما زالت أتباع الأنبياء كذلك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما الغاغة، وعن عكرمة: الحاكة والأساكفة وعن مقاتل: السفلة (وما علمي) وأي شئ علمي والمراد انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم لله واطلاعه على سر أمرهم وباطنه، وإنما قال هذا لأنهم قد طعنوا مع استرذالهم في إيمانهم وأنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة، وإنما آمنوا هوى وبديهة كما حكى الله عنهم في قوله - الذين هم أراذلنا بادي الرأي -. ويجوز أن يتغابى لهم نوح عليه السلام فيفسر قولهم الأرذلين بما هو الرذالة عنده من سوء الأعمال وفساد العقائد. ولا يلتفت إلى ما هو الرذالة عندهم، ثم يبنى جوابه على ذلك فيقول: ما على إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن أسرارهم والشق عن قلوبهم، وإن كان لهم عمل سيئ فالله محاسبهم ومجازيهم عليه وما أنا إلا منذر لا محاسب ولا مجاز (لو تشعرون) ذلك ولكنكم تجهلون
(١٢٠)
مفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»