الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢١
وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون. ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه
____________________
ضالين أشباه العميان، أو فتعلموا أني ما ادعيت ما لا يليق بالبشر، أو فتعلموا أن اتباع ما يوحى إلي مما لا بد لي منه. فإن قلت: أعلم الغيب ما محله من الإعراب؟ قلت: النصب عطفا على قوله عندي خزائن الله، لأنه من جملة المقول كأنه قال لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول (وأنذر به) الضمير راجع إلى قوله ما يوحى إلي و (الذين يخافون أن يحشروا) إما قوم داخلون في الاسلام مقرون بالبعث إلا أنهم مفرطون في العمل فينذرهم بما يوحى إليه (لعلهم يتقون) أي يدخلون في زمرة المتقين من المسلمين، وإما أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث، وإما ناس من المشركين علم من حالهم أنهم يخافون إذا سمعوا بحديث البعث أن يكون حقا فيهلكوا، فهم ممن يرجى أن ينجع فيهم الإنذار دون المتمردين منهم، فأمر أن ينذر هؤلاء. وقوله (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) في موضع الحال من يحشروا بمعنى يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعا لهم، ولا بد من هذه الحال لأن كلا محشور، فالمخوف إنما هو الحشر على هذه الحال. ذكر غير المتقين من المسلمين وأمر بإنذارهم ليتقوا ثم أردفهم ذكر المتقين منهم وأمره بتقريبهم وإكرامهم، وأن لا يطيع فيهم من أراد بهم خلاف ذلك، وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم: أي عبادته ويواظبون عليها. والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام، وقيل معناه: يصلون صلاة الصبح والعصر، ووسمهم بالاخلاص في عبادتهم بقوله (يريدون وجهه) والوجه يعبر به عن ذات الشئ وحقيقته. روى أن رؤوسا من المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو طردت عنا هؤلاء الأعبد، يعنون فقراء المسلمين وهم عمار وصهيب وبلال وخباب وسلمان وأضرابهم رضوان الله عليهم، وأرواح جبابهم وكانت عليهم جباب من صوف، جلسنا إليك وحادثناك، فقال عليه الصلاة والسلام: ما أنا بطارد المؤمنين فقالوا: فأقمهم عنا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت، فقال: نعم طمعا في إيمانهم. وروى أن عمر رضي
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»