الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٠
وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ إنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى، قل لا أشهد، قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون. الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون. ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون. ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون.
____________________
لدلالته على أن الله عز وجل إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شئ شهادة شهيد له (ومن بلغ) عطف على ضمير المخاطبين من أهل مكة: أي لأنذركم به وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم، وقيل من الثقلين، وقيل من بلغه إلى يوم القيامة. وعن سعيد بن جبير: من بلغه القرآن فكأنه رأى محمدا صلى الله عليه وسلم (أئنكم لتشهدون) تقرير لهم مع إنكار واستبعاد (قل لا أشهد) شهادتكم (الذين آتيناهم الكتاب) يعني اليهود والنصارى (يعرفونه) يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته ونعته الثابت في الكتابين معرفة خالصة (كما يعرفون أبناءهم) بحلاهم ونعوتهم لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم، وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوته، ثم قال (الذين خسروا أنفسهم) من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين (فهم لا يؤمنون) به، جمعوا بين أمرين متناقضين، فكذبوا على الله بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح حيث قالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، وقالوا والله أمرنا بها، وقالوا والملائكة بنات الله، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب، وذهبوا فكذبوا القرآن والمعجزات وسموها سحرا، ولم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم (ويوم نحشرهم) ناصبه محذوف تقديره: ويوم نحشرهم كان كيت وكيت، فترك ليبقى على الإبهام الذي هو داخل في التخويف (أين شركاؤكم) أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله، وقوله (الذين كنتم تزعمون) معناه تزعمونهم شركاء فحذف المفعولان. وقرئ يحشرهم ثم يقول بالياء فيهما، وإنما يقال لهم ذلك على وجه التوبيخ، ويجوز أن يشاهدوهم إلا أنهم حين لا ينفعونهم ولا يكون منهم ما رجوا من الشفاعة فكأنهم غيب عنهم، وأن يحال بينهم وبينهم في وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بهم الرجاء فيها فيروا مكان خزيهم
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»