لذلك بتنكير حق في الأول وتعريفه في الثاني، قال: وأما تشبيه الإله بالنجم وغيره من الأعلام فليس في العلمية بل في مجرد الغلبة سواء انتهت إلى حد العلمية أم لا. ألا ترى أن السنة ليست علما شخصيا ولا جنسيا إذ لا ضرورة تدعو إلى علميته؟ وجوابه: أن الإله يتبادر منه الفرد المعين عند إطلاقه تبادر الثريا من النجم، فلذلك شبهه به أولا، فجعل أحدهما علما دون الآخر تحكم. وأما السنة فقيها مانع مخصوص يخرجها عما يقتضيه ظاهر التشبيه من كونها علما. إذ لا يفهم منا معنى شخصي لنجعلها من أعلام الأشخاص، ولا ضرورة في جعلها علما جنسيا، وأما استشهاده بتنكير الحق وتعريفه فلا يجديه نفعا، لإن المتعلق بتعين ذات المعبود هو تعريفه، ولا مدخل لتعريف الحق وتنكيره في ذلك كقولك: الذي عليك حق، أو عليك الحق، على أنه المقصود من قوله على كل معبود هو الذات المعبودة لا المفهوم، فاللام في المعبود بحق تكون إشارة إلى بعض تلك الذوات المعبودة، وأما الحق فقد أريد به مفهومه المقابل للباطل، ولا تعدد فيه فلا حاجة إلى تعريفه، فذكره ثانيا منكرا أيضا كقوله تعالى - وهو الذي في السماء إله وفى الأرض إله - وإنما عرفه ثالثا مع جواز تنكيره تفننا في العبارة، وكان الثالث أولى لتقدم ذكره مرتين ولو عرف الأول وقال على كل معبود بالحق أو بالباطل لم يتغير المقصود من المعبود (قوله ومن هذا الاسم) أي الإله، قد اشتهر أن الاله فعال بمعنى المألوه: أي المعبود مشتق من الإلاهة بمعنى العبادة واختار المصنف أن الإلاهة وتصاريفها من نحو تأله: أي تعبد، وآله بالفتح: أي عبد، واستأله استعبد مشتقة من الإله وإن كان اسم عين، فإن الاشتقاق قد يكون من الأعيان، وجعل الإله مشتقا من أله بالكسر إذا تحير ودهش، واعترض عليه أولا بأنه تحكم لجواز العكس. وأجيب بأن اللفظين إذا توافقا في التركيب وكان أحدهما أشهر في المعنى المشترك بينهما كان أولى بأن يكون مشتقا منه، ولا شك أن الإله بمعنى العبادة أشهر من الإلاهة ومتصرفاتها، وأن أله في معنى التحير أشهر من الإله، ولذلك احتيج إلى بيان اشتماله على معنى الحيرة، ولا يقدح فيما ذكرنا كون أله بمعنى عبد أشهر وأكثر استعمالا من أله بمعنى تحير. وقد يجاب بأن المصنف ربما لاح له بنقل أو تتبع أن إلهة لم يوجد في اللغة الأصلية واستعمالات الأقدمين، بخلاف الإله فلم يجوز اشتقاقه منها، ويدفعه قراءة ابن عباس - ويذرك وإلهتك - وثانيا أن اشتقاق الفعل من الأعيان على خلاف القياس سيما في الثلاثي المجرد فإنه نادر كقولهم: أبل أبالة على وزن شكس شكاسة: إذا تأنق في رعيه الإبل وأحسن القيام بمصالحها. وثالثا أن معنى المشتق منه يجب أن يعتبر في المشتق وليس معنى الإله. أي المعبود موجودا في الإلهة: أي العبادة بل الأمر بالعكس. وأجيب بأن معنى العبادة خدمة الإله. كما أن أبل بمعنى خدم الإبل. وربما يقال: لا يجب أن يوجد معنى المشتق منه بتمامه في المشتق وإلا امتنع اشتقاق الاسم كضارب من الفعل كضرب. وفيه بحث لأن الظاهر في الاشتقاق الصغير أن يعتبر في المشتق معنى أصله بتمامه وبذلك يرجح اشتقاق الفعل من المصدر على عكسه، ومعنى قولهم ضارب مشتق من ضرب أنه مشتق من مصدره، وإنما اختاروا صيغة الماضي على المصدر تنبيها على الحروف المعتبرة في الاشتقاق، إذ بعض المصادر كالخروج والقبول تشتمل على حروف لا تعتبر فيه (قوله بل اسم) أورد كلمة الإضراب ردعا للسائل عن شكه في مبحث هو معترك الأنظار كأنه قال: أعرض عن التردد.
(٣٧)