وعطاء وابن المبارك وعليه الشافعي وأصحابه. وقال آخرون: إنها ليست من القرآن أصلا، وهو مذهب ابن مسعود ومذهب مالك والمشهور من مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وأتباعه. وذهب المتأخرون من علماء الحنفية إلى أن الصحيح من المذهب أنها آية واحدة من القرآن ليست جزء الشئ من السور، بل أنزلت للفصل بينها تبركا بها، فنشأ من ذلك اختلاف آخر وهو أنها آيات بعدد كل سورة مصدرة بها، أو آية واحدة منفردة عنها. ونقل بعض الناس أنها بعض آية من واحدة من تلك السور. والمصنف لم ينقل إلا الخلاف الأول ولم يعتد بما عداه. ويدل على ذلك أمران: الأول أنه نسب القول الأول إلى قراء المدينة والبصرة والشام وفقهائها، ومذهبهم أنها ليست من القرآن أصلا حتى قال مالك: لا ينبغي أن تقرأ في الصلاة لا جهرا ولا سرا. الثاني أنه قال: وإنما كتبت للفصل والتبرك ولم يقل إنها نزلت، ويؤيد ذلك أنه شبه إثباتها في أوائل السور بذكرها في أول كل أمر ذي بال، فتعين أن يكون قوله: على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، محمول على المشهور من مذهب أبي حنيفة، أعني أنها ليست من القرآن وإن كان بحسب المفهوم متناولا أيضا لما اختاره المتأخرون من الحنفية وعولوا عليه في الفتوى، وكان حق العبارة أن يقول: على أن التسمية ليست من القرآن، لكن عدل عنه لفائدتين:
الأولى أن يرد النفي في هذا القول على ما هو مذهب المخالف لإظهار التقابل. الثانية أن يرد على من قال إنها آية منفردة عن السور بناء على ما قدمه من أن القرآن مفصل سورا وسوره آيات: أي إذا أكنت آية من القرآن كانت من سوره قطعا، وإذا تحققت ما تلوناه انكشف لك أمور: الأول أن تفريع ترك الجهر بالتسمية على القول بأن ها ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها منتظم، لأن حاصله أنها ليست من القرآن على رأيهم، فلا يجهر بها عندهم، ولا يتوجه عليه أنه لا يلزم مما ذكر أن لا يجهر بها لجواز أن تكون آية منفردة أو بعض آية من كل سورة. وقد دفعه بعض بأن قوله: ولذلك لا يجهر بها عندهم، ليس في معرض الاستدلال، بل إخبار لما بنوا عليه ترك الجهر، وهو مدفوع بأن السؤال أيضا إخبار بأن ذلك البناء منهم غير منتظم كما انتظم بناء الشافعية الجهر بها على كونها آية من كل سورة. الثاني أن الاستدلال بإثبات السلف إياها في المصحف بخطه على أنها من كل سورة صحيح. ولا يرد عليه أن ذلك إنما يدل على كونها من القرآن لا على أنها من كل سورة لما مر من جواز كونها آية على حدة أو بعض آية، لما عرفت من أنه لم يعتد بهذين الخلافين، فإذا كانت من القرآن كانت آية من كل سورة. الثالث أن التمسك بقول ابن عباس في إثبات ذلك المدعى تام لما أشرنا إليه، ولا يتجه عليه أنه إنما يدل على أنها ليست آية واحدة، وأما على أنها آية من كل سورة فلا، إلا أن يلتجأ إلى أن التسمية مائة وثلاث عشرة آية لامن السور مما لم يذهب إليه أحد.
واعلم أن الباء في قوله بالابتداء ليست صلة للتبرك لأن المتبرك به نفس التسمية لا الابتداء به. وإنما هي بيان للتبرك:
أي التبرك بالتسمية بأن يبتدئ بها. وأما أنه قال أولا بالابتداء بها فجعل الابتداء متعلقا بالتسمية، وثانيا كما بدئ