ثم دحيت الأرض من تحتها، فكما أن مكة أم القرى كذلك الفاتحة أم القرآن، على أن ما ذكرناه وجه التسمية ولا يجب اطراده (الثاني) جمع مثنى على صيغة المفعول من التثنية بمعنى مردد ومكرر، ويجوز أن يكون جمع مثنى مفعل من التثنية بمعنى التكرير والإعادة، كذا في سورة الزمر، وقال في سورة الحجر: واحدها مثناة، ففي بعض النسخ على صيغة المفعول من التثنية كما في الوجه الأول في الزمر، وفى أكثرها بفتح الميم مفعلة من الثنى كما في الوجه الثاني فيها، وسميت الآيات السبع التي هي الفاتحة بالمثاني لأنها تثنى في كل ركعة: أي صلاة تسمية للكل باسم الجزء، وقد صرح بذلك في سورة الحجر وقال: المثاني من التثنية وهى التكرير، لأن الفاتحة مما يتكرر قراءتها في الصلاة وغيرها، وهذه العبارة أعني لأنها تثنى في كل ركعة وردت في صحاح الجوهري أيضا، ولعل فائدة المجاز المبالغة في أن كل صلاة فعلة واحدة كركعة، وقد تعددت الفاتحة فيها فيتضح تكررها زيادة إيضاح وربما يقال إنها تتكرر في كل ركعة بالقياس إلى أخرى، ففي الثانية بوقوعها مرة في الأولى، وفى الأولى عند انضمام الثانية إليها، ولا يرد على الوجهين التنفل بركعة واحدة إذ ليس من مذهب المصنف، فإن قلت: هل يمكن لمن جوز التنفل بها أن يعلل التسمية بأنها تثنى في كل ركعة على أحد التأويلين؟ قلت: نعم على أن يجعل عاما مخصوصا، فإن تكررها في أكثر الصلوات والركعات كاف في تسميتها بالمثاني، وأما صلاة الجنازة فلا يرد على أحد في هذه العبارة لأنها لا تسمى ركعة صلا. قال رحمة الله تعالى: والأشبه أن يراد ببيان محل التكرير على معنى أن الفاتحة لها تكرر بحسب الركعة لا بحسب أركانها كالطمأنينة، ولا بحسب كل ركعتين كالتشهد في الرباعية، ولا بحسب كل الصلاة كالتسليم، فإن تعددت الركعة تكررت الفاتحة وإلا فلا، كأنه قيل لأنها تثنى باعتبار تعدد الركعة، ويتج عليه أن هذا المعنى وإن كان واضحا في نفسه إلا أن دلالة هذه العبارة عليه في غاية الخفاء كما لا يخفى. الياء في قوله (بقراءتها) للسببية: أي قراءتها في الصلاة سبب لفضيلتها على مذهب أبي حنيفة، وسبب لإجزائها على مذهب الشافعي، فقد توقفت فضيلة الصلاة أو إجزاؤها عليها توقف المسبب على السبب، فسميت سورة الصلاة لهذه العلاقة. وقد يتوهم أن يقال لأنها لا تكون فاضلة أو مجزئة إلا بقراءتها فيها لتفيد ما قصده من توقف الفضيلة أو الإجزاء على الفاتحة بيانا للمذهبين. وجوابه: أن التوقف مفهوم من السببية فلا حاجة إلى القصر في العبارة - لا يقال: لعل هناك سببا آخر. لأنا نقول: الأصل عدمه، وهذا القدر واف بتأدية المقصود في متعارف أهل اللغة. (قوله من عد أنعمت عليهم) آية أراد صراط الذين أنعمت عليهم إلا أنه اختصر لظهور أن الصلة دون الموصول والمضاف إليه بدون المضاف لا يعد لأن الكل في حكم كلمة واحدة (قوله قراء المدينة) أجمعت الأمة على أن التسمية في سورة النمل بعض آية منها فهي من القرآن قطعا. واختلفوا في التسمية في أوائل السور، فقال بعضهم: إنها آية من كل سورة وهى من أوائلها مائة وثلاث عشرة آية من القرآن، وهو سعيد بن جبير والزهري
(٢٤)