تقدير النفي فيما بعد فضلا. ولبعضهم توجيه ثالث مبنى على اعتبار ورود النفي على الأدنى بعد توسط فضلا بينه وبين الأعلى، كأنه قيل: يعطى الدرهم فضلا عن الدينار: أي فضل إعطاء الدرهم عن إعطاء الدينار على معنى:
ذهب إعطاء الدينار وبقى من جنسه بقية هي إعطاء الدرهم. ثم أورد النفي على البقية، وإذا انتفت بقية الشئ كان ما عداها أقدم منها في الانتفاء. ويرجع حاصل المعنى إلى أن إعطاء الدينار انتفى أولا ثم تبعه في الانتفاء إعطاء الدرهم وهكذا بلوغ الهمم إلى أدنى العدد بقية من جنس الترقي، فإذا تقاصرت عن البلوغ كان تقاصرها عن الترقي مقدما عليه. وناصب فضلا محذوف وجوبا لجريه مجرى تتمة الأول بمنزلة لا سيما، ولا محل لذلك المحذوف من الإعراب وإن زعم بعضهم أنه حال، ولا يلتبس عليك أن فاعل ذلك الفعل المحذوف هو الأدنى على الوجه الأخير، ونفيه على الوجهين الأولين (إلى الكلام المؤسس) أي إلى إدراكه بتحصيل عدده، ويريد به كلامه في الكشف عن حقائق التنزيل لأنه بصدد إبداء عذر الاستعفاء عن إملائه، وأيضا قوله (وطائفة من الكلام) يرشد إليه، فمن قال: المراد به القرآن فقدسها (في الفواتح) أي الحروف المقطعة في أوائل السور. وقيل أراد الفاتحة وصيغة الجمع تعظيم لها وهو بعيد جدا، والأولى أن يراد فاتحة الكتاب مع فواتح السور (وكان) أي المملى (حاولت به) قصدت بذلك المبسوط (منارا) علما (ينتحونه) يقصدونه و (يحتذونه) يقتدون به ويقيسون عليه (صمم العزم) أي خلص عن التردد وصار ماضيا لا فتور فيه. يقال صمم السيف: إذا مضى في العظم وقطعه، وصمم فلان على أمره: أي مضى على رأيه فيه (وجدت) جواب لما (في مجتازى) إما مصدر فيتعلق به الجار: أي في اجتيازي بكل بلد، وإما مكان فيتعلق الجار بوجدت (والمسكة) مقدار ما يتمسك به من عقل أو علم أو قوة، والضمير في أهلها للبلد بتأويل البلدة، ولقد تفنن بإراءة معنى واحد في صور مختلفة، فوحد الضمير مذكرا في قوله فيه نظرا إلى لفظ من، وجمعه في (قليل ما هم) نظرا إلى معناه، وأفراد قليل مع أنه خبر لقوله (هم) قدم عليه اهتماما به بناء على أنه صفة لمقدر لفظه مفرد ومعناه جمع مثل فوج أو حزب. وقال (عطشى الأكباد) لأنهم جماعة واستعمل جمع السلامة والتكسير (التطلع) التشوف (والإيناس) الإبصار (العطف) الجانب وهز العطف كناية عن السرور، لأن الفرحان يتحرك جانباه نشاطا، و (من) للتبعيض، ومن (عطفى) مفعول هز: أي حصل في بعض الارتياح لأن تمامه كان باستدعاء الشريف. وقد يقال هز العطف كناية عن إزالة الغفلة، فإن الغافل ينبه بتحريك جانبه والمقام ناب عنه (إذا) للمفاجأة: أي فاجأت زمان أنا ملتبس (بالشعبة) فإذا مفعول به لفاجأت وهو جواب لما (السنية) الرفيعة (والدوحة) الشجرة العظيمة (والأمير) بدل من الشعبة أو بيان، وبه خرج الكلام عن الاستعارة إلى التشبيه كقوله تعالى - من الفجر - (والنكتة) كل نقطة من بياض في سواد أو عكسه