الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٤٤
ينبئ عن دنو أكثر وانحطاط قليل، فأشار إلى الثاني بقوله (إذا كان أحط منه قليلا) يعنى في المكان الأول إلى بقوله (أدنى مكان من الشئ) ونبه به أيضا على أن دون يشتمل على معنى الدنو لتوافقهما في الحروف الأصول وإن تخالفا في ترتيبها، وليس أحدهما قلبا للآخر لاستوائهما في التصرف، وكذلك جميع ما أخذ منه يشتمل على معنى الدنو كدون الكتب وكالدون بمعنى الحقير، فإن الدنو شاع استعماله في الحقارة. وأما الدنئ فليس مأخوذا من شئ منهما لأنه مهموز الأصل من الدناءة، وقوله (يقال هذا دون ذاك) بيان لاستعمال دون بمعنى أدنى مكان: أعني المعنى الحقيقي الأصلي، وقيل هو إشارة إلى أنه يستعمل في انحطاط محسوس لا يكون في ظرف كقصر القامة مثلا فهذا أول توسع فيه ثم أستعير منه للتفاوت في المراتب المعنوية تشبيها بالمراتب المحسوسة وشاع استعماله فيها أكثر من استعماله في الأصل ثم اتسع في هذا المستعار (فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد) وإن لم يكن هناك تفاوت وانحطاط فهو في هذا المعنى مجاز في المرتبة الثانية على ما وجهناه وفى المرتبة الثالثة على هذا القول وبالجملة هو بهذا المعنى قريب من أن يكون بمعنى غير كأنه أداة استثناء وقوله (واستعير) عطف على قوله ومعنى دون أدنى مكان من الشئ أو على يقال هذا دون ذاك لا على قوله فاختصر (قوله واتسع) عطف على واستعير (قول من قال) هو علي رضي الله عنه قاله لمن مدحه في وجهه نفاقا والمراءاة من الرياء و (الولاية) بالفتح مصدر الولي وبالكسر مصدر الوالي (قوله يا نفس) آخره * ولا للسع بنات الدهر من راق * أراد ببناته حوادثه المتوادة منه وقوله أي لا يتجاوزوا وإذا تجاوزت بيان لحاصل المعنى فإن دون في الموضعين ظرف مستقر وقع حالا (قوله ومن دون الله متعلق بادعوا) ذكر وجوها ستة ففي ثلاثة منها يتعلق من دون الله بشهداءكم وفى ثلاثة أخرى يتعلق بادعوا. أما الثلاثة الأولى ففي الأولين منها أريد بالشهداء الأصنام أي ادعوها للاستعانة بها والأمر فيهما للتهكم بهم حيث أمروا بأن يستظهروا بالجماد في معارضة القرآن الذي أخرس بفصاحته كل منطيق؟؟ وإنما عبر عن الأصنام بالشهداء توشيحا لمعنى التهكم بتذكير ما اعتقدوه من أنها من الله بمكان وأنها تنفعهم بشهادتها لهم أنهم على الحق كأنه قيل هؤلاء عدتكم وملاذكم فادعوها لهذه العظيمة التي دهمتكم والفرق بينهما أن دون على الوجه الثاني مستعمل بمعنى قدام الشئ وبين يديه مستعارا من معناه الحقيقي الذي يناسبه يعنى أدنى مكان من الشئ وهو ظرف لغو معمول لشهداء إذ تكفيه رائحة الفعل فلا حاجة إلى اعتماد ولا إلى تقدير ليشهدوا أي ادعوا الذين يشهدون لكم بين يدي الله. وكلمة من ههنا تبعيضية لما سيأتي في الأعراف من أنهم قالوا جلس بين يديه وخلفه بمعنى في لأنهما ظرفان للفعل ومن بين يديه ومن خلفه لأن الفعل يقع في بعض
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»