أن يرتاب فيه، بل هو لوضوح الدلالة وسطوح البرهان على كونه حقا منزلا من عند تعالى يجب على كل أحد أن يكون منه على يقين، وهذا معنى صحيح صادق لا يقدح في صدقه ارتياب جميع الناس فيه فضلا عن ارتياب بعضهم. وفى اختيار إنما إشعار بأن كون المنفى ما ذكره أمر مكشوف يتبادر من العبارة، فإنك تقول بعد تلخيص الحق في المسألة بعد تردد المخاطب، وهذا مما لاشك فيه ولا يشتبه على أحد أنك تريد بذلك كونها يقينية في نفسها لا ينبغي أن يتعلق شك بها لا أن أحدا لا يشك فيها، وكذلك إذا قلت لمن ينكر أمرا: هذا لا إنكار فيه، أو ليس هذا محلا للإنكار، أردت أنه ليس خليقا بالإنكار ومظنة لصلوحه ولا ينبغي أن يرتاب فيه، وبهذا التحقيق يندفع ما يقال من أن القرآن مئنة للريب فكيف ينفى كونه مظنة له (قوله أن يقع فيه) الضمير للارتياب الذي دل عليه مرتاب: أي لا ينبغي لصاحب ارتياب أن يقع فيه. وقيل للقرآن على معنى أن يطعن فهي من قولهم وقع في فلان: إذا اغتابه وطعن فيه. ورد بأن المفهوم حينئذ أن الطعن من المرتاب مم لا ينبغي لا ما هو المقصود: أعني أن ارتيابه مما لا ينبغي إلا أن يجعل الارتياب طعنا وأنه بمحل عنه غنى (قوله ألا ترى) استشهاد على أن المنفى ليس هو الارتياب بل كونه متعلقا للريب بالمعنى المذكور (قوله فما أبعد) ما فيه نافية لا تعجيبة: أي لم يبعد وجود الريب منهم ولم ينفه عنهم بل أرشدهم إلى ما يزيل ريبهم ويوصلهم إلى أن يتحققوا أن القرآن مما لا ينبغي أن يرتاب فيه (قوله فهلا قدم) لما بين أن المقصود بالنفي ههنا ليس هو الريب بل كونه متعلقا له، توهم أن النفي لم يتوجه إلى أصل الريب بل إلى متعلقه الذي هو الظرف، فكان ذكره أهم فهلا قدم. أجاب بأن النفي متوجه إلى الريب لا إلى متعلقه، لكن لم يقصد بنفي الريب عنه أنه لم يرتب فيه أحد، بل قصد إثبات أنه حق وصدق، وأن الريب فيه غير واقع موقعه، ومن المعلوم أن هذا القصد لا يقتضى تقديم الظرف على أن ثم مانعا عنه وهو أنه لو قدم لأفاد معنى بعيدا عن المراد وهو أن الريب ثابت في كتاب آخر لافى هذا الكتاب، وهذا المعنى وإن فرض استقامته لا يناسب المقام، إذ المقصود أن القرآن حق لا مجال فيه للريبة ردا لما يزعمه المشركون، لا أن الريب منفى عنه وثابت في غيره إذا لم يكن هناك منازعة في ذلك. وفى المفتاح امتنع تقديم الظرف لدلالته على أن ريبا في سائر كتب الله وأنه باطل، ولاخفاء في أنه توجيه آخر (قوله في إيلاء الريب حرف النفي) أي جعله بحيث يلي حرف النفي: أي يقرب منه ويعقبه بلا فصل، وعلى هذا فقوله ولو أولى الظرف بالرفع، ويحتمل النصب على معنى ولو جعل حرف النفي بحيث يلي الظرف: أي يقرب منه ويتقدمه بلا فاصل (قوله أن كتابا آخر فيه الريب لا فيه) هذه عبارة جزلة لا غبار عليها، فالريب مبتدأ قدم عليه
(١١٤)