ثم عاد تعالى إلى ذكر الخبر عن أحوال بني النضير، فقال (لا يقاتلونكم) معاشر المؤمنين (إلا في قرى محصنة) يعني ممتنعة جعل عليها حصون (أو من وراء جدر) أي من وراء الحيطان، فالجدار الحائط. فمن قرأ على التوحيد فلانه اسم جنس يقع على القليل والكثير، ومن قرأ على الجمع، فلاختلاف الجدران.
ثم قال (بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) معناه عداوة بعض هؤلاء اليهود لبعض شديدة وقلوبهم شتى بمعاداة بعضهم لبعض أي ظاهرهم على كلمة واحدة وهم متفرقون في الباطن (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) يعنى ما فيه الرشد مما فيه الغي. وقال مجاهد (وقلوبهم شتى) يعني المنافقين وأهل الكتاب، وإنما كان قلوب من يعمل بخلاف العقل شتى لاختلاف دواعيهم وأهوائهم، وداعي الحق واحد، وهو داعي العقل الذي يدعو إلى طاعة الله والاحسان في الفعل.
وقوله (كمثل الذين من قبلهم قريبا) معناه مثل هؤلاء كمثل الذين من قبلهم يعني بني قنيقاع - في قول ابن عباس - وقال مجاهد: هم مشركوا قريش ببدر - (ذاقوا وبال أمرهم) من الشرك والكفر بالله فان عاقبة أمرهم كان القتل أو الجلاء وفي الآية دلالة على النبوة من جهة علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى وقوله (ولئن نصروهم ليولن الادبار) جاء على تقدير المستقبل كما يجيئ في الماضي ب (لو) لتبين خورهم وضعف قلوبهم، واللام في قوله (لئن اخرجوا) و (لئن قوتلوا) و (لئن نصروهم) كلها لام القسم. واللام في قوله (ليولن الادبار) جواب القسم.
قوله تعالى:
(كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال