التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٤٥٠
منه، لان التيسير أكبر داع إليه، وتسهيل القرآن للذكر خفة ذلك على النفس لحسن البيان وظهر البرهان في الحكم السنية والمعاني الصحيحة الموثوق بها لمجيئها من الله تعالى، وإنما صار الذكر من اجل ما يدعى إليه ويحث عليه، لأنه طريق العلم، لان الساهي عن الشئ أو عن دليله لا يجوز أن يعلمه في حال شهوة، فإذا تذكر الدلائل عليه والطريق المؤدية إليه فقد تعرض لعلمه من الوجه الذي ينبغي له.
وقوله " فهل من مدكر " معناه فهل من متعظ معتبر بذلك ناظر فيه.
ثم قال (كذبت عاد) يعني بالرسول الذي بعثه إليهم، وهو هود عليه السلام فاستحقوا الهلاك فأهلكهم الله (فكيف كان عذابي) لهم و (نذر) أي وإنذاري إياهم. ثم بين كيفية إهلاكهم فقال (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) وهي الشديدة الهبوب حتى يسمع في صوتها صرير، وهو مضاعف صر مثل كب وكبكب ونهه ونهنهه، وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: كانت ريحا باردة. وقال ابن زيد وسفيان: كانت شديدة.
وقوله (في يوم نحس) يعني يوم شؤم - في قول قتادة - (مستمر) أي استمر بهم العذاب إلى نار جهنم - في قول قتادة - وقوله (تنزع الناس كأنهم اعجاز نخل منقعر) معناه تقتلع هذه الريح الناس ثم ترمي بهم على رؤسهم فتدق رقابهم فيصيرون كأنهم أعجاز نخل، لان رؤسهم سقطت عن أبدانهم - في قول مجاهد - وقيل: استمرت بهم الريح سبع ليال وثمانية أيام حتى أتت عليهم شيئا بعد شئ. وقيل (تنزع الناس) من حفر حفروها ليمتنعوا بها من الريح. وقال الحسن: فيه اضمار تقديره تنزع أرواح الناس، واعجاز النخل أسافله. والنخل يذكر ويؤنث، والمنقعر المنقلع من أصله، لان قعر الشئ قراره المستقل منه، فلهذا قيل للمنقطع من أصله: منقعر، يقال: انعقر انعقارا، وقعره تقعيرا، وتقعر - في
(٤٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 ... » »»
الفهرست