الآخرة أهلكوا ببغي بعضهم على بعض، فتفاتوا بالقتل - ذكره ابن إسحاق - وقال الحسن: الأولى أي قبلكم، وإنما فتحت (أن) في المواضع كلها، لأنها عطف على قوله " أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى " وبكذا وكذا، فلما حذف الباء نصبه. وقوله " وثمود فما أبقى " نصب ب (أهلك) الذي قبله، وتقديره وأهلك ثمودا فما أبقى، ولا يجوز أن يكون منصوبا بقوله " فما أبقى " لان (ما) لا يعمل ما بعدها في ما قبلها، لا تقول:
زيدا ما ضربت، لأنها من الحروف التي لها صدر الكلام، كألف الاستفهام.
وقوله " وقوم نوح من قبل " معناه وأهلكنا قوم نوح من قبل قوم صالح " إنهم كانوا هم أظلم وأطغى " فالأظلم الأعظم ظلما، والأطغى الأعظم طغيانا، فالظلم يتعاظم كما يتعاظم الضرر، وعظم الظلم بحسب عظم الزاجر عنه. وقيل:
مكث نوح في قومه يدعوهم إلى الله وكلما دعاهم فما يزدادون إلا تتابعا في الضلال وتواصيا بالتكذيب لامر الله - في قول قتادة - وقوله " والمؤتفكة " يعني المنقلبة، وهي التي صار أعلاها أسفلها، وأسفلها أعلاها ائتفكت بهم تؤتفك ائتفاكا، ومنه الافك الكذب، لأنه قلب المعنى عن وجهه. ومعنى " أهوى " نزل بها في الهوى، ومنه الهوى: أهوى بيده ليأخذ كذا، وهوى هواء إذا نزل في الهواء، فأما إذا نزل في سلم أو درجة، فلا يقال:
أهوى، ولا هوى. وقيل: قرية سدوم، قوم لوط، رفعها جبرائيل إلى السماء ثم أهوى بها قالبا لها - في قول مجاهد وقتادة - وقوله " فغشاها ما غشى " يعني من الحجارة المسومة التي رموا بها من السماء - في قول قتادة وابن زيد - والمعنى فجللها من العذاب ما يعمها حتى أتى عليها (ما غشى) وفيه تفخيم شأن العذاب الذي رماها به ونالها من جهة إبهامه في قوله " ما غشى " كأنه قد جل الامر عن أن يحتاج