قوله تعالى:
(وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص (36) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد (37) ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب (38) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (39) ومن الليل فسبحه وأدبار السجود) (40) خمس آيات قرأ (وإدبار) بكسر الألف ابن كثير ونافع وأهل الحجاز وحمزة على المصدر من أدبر إدبارا، وتقديره وقت إدبار السجود. والمصادر تجعل ظرفا على إرادة إضافة أسماء الزمان إليها وحذفها، كقولهم جئتك مقدم الحاج وخلوق النجم ونحو ذلك يريدون في ذلك كله وقت كذا وكذا فحذفوه. الباقون بفتح الألف على أنه جمع (دبر):
يقول الله تعالى مخبرا (وكم أهلكنا) ومعناه وكثيرا أهلكنا وذلك أن (كم) تكون استفهاما تارة في معنى الخبر للتكثير وإنما خرجت عن الاستفهام إلى التكثير لتكون نقيضة (رب) في التقليل وكانت أحق به، لأنها (اسم) مع احتمالها للتقليل، فأما رب في الكلام، فهي حرف يجري مجرى حرف النفي، لان التقليل أقرب إلى النفي، وإنما وجب ل (كم) صدر الكلام في الخبر إعلاما بأنها خرجت عن الاستفهام مع أنها نقيضة (رب) التي هي بمنزلة حروف النفي، ودخلت (من) على مفسر (كم) في الخبر بمنزلة عدد يفسر بالمضاف كقولك عشر أثواب، وعشرة من الأثواب. فجاز حرف الإضافة