ويمتنع أن يتصل به الجار من وجه آخر، وهو ان قوله (أو من وراء حجاب) من صلة (يوحي) الذي هو بمعنى (أن يوحي) فإذا كان كذلك لم يجز ان يحمل الجار الذي هو في قوله (من وراء حجاب) على (أو يرسل) لأنك تفصل بين الصلة والموصول بما ليس منهما. ألا ترى أن المعطوف على الصلة من الصلة إذا حملت العطف على ما ليس في الصلة فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي الذي ليس منها، فإذا لم يجز حمله على (يكلمه) في قوله (ما كان لبشر أن يكلمه الله) ولم يكن بد من أن يعلق الجار بشئ، ولم يكن في اللفظ شئ يحمل عليه أضمرت (بما يكلم) وجعلت الجار في قوله (أو من وراء حجاب) متعلقا بفعل مراد في الصلة محذوف حذفا للدلالة عليه، ويكون في المعنى معطوفا على الفعل المقدر صلة، لان الموصول يوحي، فيكون التقدير: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى إليه، أو يكلمه من وراء حجاب، فحذف (يكلم) من الصلة، لان ذكره قد جرى وإن كان خارجا من الصلة، فحسن لذلك حذفه من الصلة.
ومن رفع (أو يرسل رسولا) فإنه يجعل (يرسل) حالا والجار في قوله (أو من وراء حجاب) يتعلق بمحذوف، ويكون في الظرف ذكر من ذي الحال، ويكون قوله (إلا وحيا) على هذا التقدير مصدرا وقع موقع الحال، كقولك جئت ركضا أو اتيت عدوا. ومعنى (أو من وراء حجاب) فيمن قدر الكلام استثناء منقطعا أو حالا: يكلمهم غير مجاهر لهم بكلامه، يريد ان كلامه يسمع ويحدث من حيث لا يرى، كما ترى سائر المتكلمين، ليس ان ثم حجابا يفصل موضعا من موضع، فيدل ذلك على تحديد المحجوب.
ومن رفع (يرسل) كان (يرسل) في موضع نصب على الحال. والمعنى هذا كلامه كما تقول: تحبتك الضرب وعتابك السيف.