بين (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) ويأخذون ما ليس لهم ويتعدون عليهم (ويبغون) عليهم (في الأرض بغير الحق) لأنه متى سعى فيها بالحق لم يكن مذموما به إن طلب بذلك ما أباحه الله له (أولئك لهم عذاب اليم) اخبار منه تعالى أن من قدم وصفه لهم عذاب موجع مؤلم. ثم مدح تعالى من صبر على الظلم ولم ينتصر لنفسه ولا طالب به ويغفر لمن أساء إليه بأن قال (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) أي من ثابت الأمور التي أمر الله بها فلم ينسخ. و (عزم الأمور) هو الاخذ بأعلاها في باب نيل الثواب والاجر واحتمال الشدائد على النفس وإيثار رضا الله على ما هو مباح. وقيل: (ان ذلك لمن عزم الأمور) جواب القسم الذي دل عليه (لمن صبر وغفر) كما قال (لئن اخرجوا لا يخرجون معهم) (1) وقيل: بل هي في موضع الخبر. كأنه قال إن ذلك منه لمن عزم الأمور، وحسن ذلك مع طول الكلام.
وقوله (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده) يحتمل أمرين:
أحدهما - ان من أضله الله عن طريق الجنة إلى عذاب النار فليس له ناصر ينصره عليه ويرفعه عنه من بعد ذلك بالتخليص منه.
والثاني - أن من حكم الله بضلاله وسماه ضالا عن الحق فما له من ولي ولا ناصر يحكم بهدايته ويسميه هاديا.
ثم قال (وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل) اخبار منه تعالى إنك يا محمد ترى الظالمين إذا شاهدوا عذاب النار يقولون هل إلى الرجوع والرد إلى دار التكليف. من سبيل تمنيا منهم لذلك والتجاء إلى هذا القول لما ينزل بهم من البلاء. مع علمهم بأن ذلك لا يكون، لان معارفهم ضرورية.