التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ١٨١
الذي وكتب الله فيه ما يكون إلى يوم القيامة لما فيه من مصلحة ملائكته بالنظر فيه وللخلق فيه من اللطف بالاخبار عنه " وأم الكتاب " أصله لان أصل كل شئ أمه.
وقوله " لعلي حكيم " معناه لعال في البلاغة مظهر ما بالعباد إليه الحاجة مما لا شئ منه إلا يحسن طريقه ولا شئ أحسن منه. والقرآن بهذه الصفة علمه من علمه وجهله من جهله لتفريطه فيه و (حكيم) معناه مظهر المعنى الذي يعمل عليه المؤدي إلى العلم والصواب. والقرآن من هذا الوجه مظهر للحكمة البالغة لمن تدبره وأدركه.
ثم قال لمن جحده ولم يعتبر به على وجه الانكار عليهم " أفنضرب عنكم الذكر صفحا " معناه أنعرض عنكم جانبا باعراضكم عن القرآن والتذكر له والتفكر فيه " أن كنتم قوما مسرفين " على نفوسكم بترككم النظر فيه والاعتبار بحججه.
ومن كسر الهمزة جعله مستأنفا شرطا. ومن فتحها جعله فعلا ماضيا أي إذ كنتم كما قال " أن جاءه الأعمى " (1) بمعنى إذ جاءه الأعمى، فموضع (أن) نصب عند البصريين وجر عند الكسائي، لان التقدير الذكر صفحا، لان كنتم وبأن كنتم.
قال الشاعر:
أتجزع ان بان الخليط المودع * وجعل الصفا من عزة المتقطع (2) والمسرف الذي ينفق ماله في معصية الله، لان من انفقه في طاعة أو مباح لم يكن مسرفا وقال علي عليه السلام (لا إسراف في المأكول والمشروب) و (صفحا) نصب على المصدر، لان قوله " أفنضرب عنكم الذكر " يدل على أن اصفح عنكم صفحا وكأن قولهم: صفحت عنه أي أعرضت ووليته صفحة العنق. والمعنى أفنضرب ذكر الانتقام منكم والعقوبة لكم أن كنتم قوما مسرفين، كما قال " أيحسب الانسان

(1) سورة 80 عبس آية 2 (2) مر في 1 / 349 و 7 / 9
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»
الفهرست