يقول الله تعالى إنه ليس لبشر من الخلق أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه وحيا (أو من وراء حجاب) معناه أو بكلام بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب، لأنه تعالى لا يجوز عليه مالا يجوز إلا على الأجسام من ظهور الصورة للابصار (أو يرسل رسولا) فان جعلناه عطفا على إرسال الرسول، كان أحد أقسام الكلام كما قلناه في قولهم: عتابك السيف، كأنه قال إلا وحيا أو إرسالا، وإن لم تجعله عطفا لم يكن أحد أقسامه، ويكون كقولهم: لألزمنك أو تعطيني حقي، فلا يكون الارسال في هذا الوجه كلاما، فيكون كلام الله لعباده على ثلاثة أقسام:
أولها - ان يسمع منه كما يسمع من وراء حجاب، كما خاطب الله به موسى عليه السلام.
الثاني - بوحي يأتي به الملك إلى النبي من البشر كسائر الأنبياء.
الثالث - بتأدية الرسول إلى المكلفين من الناس، وقيل في الحجاب ثلاثة أقوال:
أحدها - حجاب عن إدراك الكلام لا المكلم وحده.
الثاني - حجاب لموضع الكلام.
الثالث - إنه بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب (فيوحي باذنه ما يشاء) معناه إن ذلك الرسول الذي هو الملك يوحي إلى النبي من البشر بأمر الله ما شاءه الله (إنه علي حكيم) معناه إن كلامه المسموع منه لا يكون مخاطبة يظهر فيها المتكلم بالرؤية، لأنه العلي عن الادراك بالابصار وهو الحكيم في جميع افعاله وفي كيفية خطابه لخلقه.
وقال السدي: معنى الآية إنه لم يكن لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا بمعنى إلا إلهاما بخاطر أو في منام أو نحوه من معنى الكلام إليه في خفاء (أو من وراء حجاب) يحجبه عن إدراك جميع الخلق إلا عن المتكلم الذي يسمعه كما سمع موسى