التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ١٧٣
لما اخبر الله تعالى أن الظالمين أنفسهم بارتكاب المعاصي وترك الواجبات في عذاب مقيم دائم غير منقطع، اخبر في الآية التي بعدها انهم لم يكن لهم أولياء في ما عبدوه من دون الله، ولا فيمن أطاعوه في معصية الله، أي أنصار ينصرونهم من دون الله ويرفعون عنهم عقابه. وقيل: المراد من يعبدونه من دون الله أو يطيعونه في معصية الله لا ينفعهم يوم القيامة. فالفائدة بذلك اليأس من أي فرج إلا من قبل الله، فلهذا من كان هلاكه بكفره لم يكن له ناصر يمنع منه.
ثم قال (ومن يضلل الله) أي من أضله الله عن طريق الجنة وعدل به إلى النار (فما له من سبيل) يوصله إلى الجنة والثواب. ويحتمل أن يكون المراد ومن يحكم الله بضلاله ويسميه ضالا لم يكن لاحد سبيل إلى أن يحكم بهدايته. ثم قال تعالى لخلقه (استجيبوا لربكم) يعني أجيبوه إلى ما دعاكم إليه ورغبكم فيه من المصير إلى طاعته والانقياد لامره (من قبل ان يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجأ يومئذ) أي لا مرجع له بعد ما حكم به. وقيل معناه لا يتهيأ لاحد رده ولا يكون لكم ملجأ تلجؤن إليه في ذلك اليوم. والملجأ والمحرز نظائر (ومالكم من نكير) أي تعيير انكار. وقيل: معناه من نصير ينكر ما يحل بكم ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (فان اعرضوا) يعني هؤلاء الكفار وعدلوا عما دعوناهم إليه ولا يستجيبون إليه (فما أرسلناك عليهم حفيظا) أي حافظا تمنعهم من الكفر (إن عليك) أي ليس عليك (إلا البلاغ) وهو ايصال المعنى إلى أفهامهم وتبين لهم ما فيه رشدهم، فالذي يلزم الرسول دعاؤهم إلى الحق، ولا يلزمه ان يحفظهم من اعتقاد خلاف الحق. ثم اخبر تعالى عن حال الانسان وسرعة تنقله من حال إلى حال فقال (وانا إذا أذقنا الانسان منا رحمة) وأوصلنا إليه نعمة (فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم) أي عقوبة جزاء بما قدمته أيديهم من المعاصي (فان الانسان كفور) يعدد المصائب
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست