كذا أي قدر.
ثم اخبر تعالى أنهم يتمنون فيقولون " فلو أن لنا كرة " أي رجعة إلى دار التكليف " فنكون من المؤمنين " وإنما جاز التمني ب (لو)، لأنه التقدير، كما أن التمني ب (ليت) مثل ذلك لتقدير المعنى، إلا أن التقدير ب (لو) لموجب غيره والتقدير ب (ليت) للامتناع بالمقدر، وإنما جاز جواب التمني، لان المعنى متصور بالتمني غير أنه إذا كان بالفاء، فهو نصب، فلذلك نصب (فنكون) لان الفاء إذا صرفت عن العطف أضمر معها (ان) للاشعار بالصرف.
ثم قال تعالى " ان في ذلك لآية " أي ان فيما قصصناه، وذكرناه لدلالة لمن نظر فيها واعتبر بها، لكن أكثرهم لا يعتبرون بها، ولا يؤمنون بها، وأخبر " إن ربك " يا محمد " لهو العزيز الرحيم " وإنما جمع بين الصفتين: العزيز والرحيم، ليرغب في طلب ما عند الله أتم الترغيب من حيث هو عظيم الرحمة واسع المقدور، منيع من معاجزة غيره. وقيل في وجه اخبارهم بأنهم يكونون مؤمنين لو ردوا إلى دار التكليف قولان:
أحدهما - انهم يخبرون عن عزمهم، لان الله تعالى قد أخبر عنهم أنهم " لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " (1) ولا يجوز - ان يكونوا مع رفع التكليف وكمال عقولهم وحصول المعارف الضرورية - ان يكذبوا، لأنهم ملجؤون إلى ترك القبيح بأن يخلق الله فيهم العلم الضروري، انهم لو راموا القبيح لمنعوا من ذلك، ولولا ذلك لكانوا مغزين بالقبيح وذلك لا يجوز.
والثاني - أن يكون ذلك القول منهم قبل دخولهم النار، وقبل ان يصيروا ملجئين. والأول أقوى.