التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٣٤
الله تعالى دعاءه، لان اليهود يقرون بنبوته، وكذلك النصارى، وأكثر الأمم.
وقيل: معنى " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " أي اجعل من ولدي من يقوم بالحق، ويدعو إلى الله، وهو محمد صلى الله عليه وآله ثم سأله أن يجعله " من ورثة جنة النعيم، بأن يفعل معه من الألطاف ما يختار عنده الطاعات، لان الجنة لا يثاب فيها إلا بالاستحقاق. ثم قال " ولا تخزني يوم يبعثون " أي لا تفضحني بذنب، ولا تعيرني يوم يحشر الخلائق. و (الخزي) الفضيحة والتعيير بالذنب بما يردع النفس، يقال: خزي خزيا. وأخزاه الله إخزاء، وهذا موقف خزي.
وهذا الدعاء منه (ع) انقطاع منه إلى الله تعالى، لأنا قد بينا أن القبائح لا تقع من الأنبياء على حال.
ثم وصف اليوم الذي يبعث فيه الخلائق بأنه " يوم لا ينفع " فيه " مال " فيفادي به الانسان نفسه من العقاب " ولا " ينفع " بنون " ينصرونه " إلا من أتى " أي وإنما ينفع من يأتي " الله بقلب سليم " أي سليم من الفساد والمعاصي، إنما خص القلب بالسلامة، لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد، من حيث أن الفساد بالجارحة لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد فان اجتمع مع ذلك جهل، فقد عدم السلامة من جهتين، وقيل: سلامة القلب سلامة الجوارح، لأنه يكون خاليا من الاصرار على الذنب.
وحكى انه سأل الله تعالى أن يغفر لأبيه، وذكر انه من الضالين، قالوا:
إنما سأل الله أن يغفر له يوم القيامة بشرط تقتضيه الحكمة. وهو أن يتوب قبل موته، فلما تبين انه عدو لله تبرأ منه، ووصفه بأنه ضال يدل على أنه كافر، كفر جهل لا كفر عناد. وقيل: انه إنما دعا لأبيه لموعدة وعده بها، لأنه كان يطمعه سرا في الايمان فوعده بالاستغفار، فلما تبين انه كان عن نفاق تبرأ منه. وقال الحسن: عاب الله
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست