التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ١٦٢
ثم وصف الصابرين الذين ذكرهم فقال " ويدرؤن بالحسنة السيئة " يعني يدفعون بالتوبة المعاصي، لان الله تعالى يسقط العقاب عندها. وقيل: معناه يدفعون بالكلام الجميل اللغو من كلام الكفار. وقيل: ان ذلك قبل الامر بقتالهم، ولا يمتنع أن يؤمروا، بالاعراض عن مكالمتهم مع الامر بقتالهم، ولا تنافي بينهما على حال.
ثم قال " ومما رزقناهم ينفقون " أي جعلنا لهم التصرف فيها، وملكناهم إياها ينفقون في طاعة الله، وفي سبيل الخير، وإذا سمعوا لغوا من الكلام، ورأوا لغوا من الفعل أعرضوا عنه، ولم يخاصموا فيه فقالوا لفاعل اللغو " لنا أعمالنا ولكم اعمالكم " أي لنا جزاء اعمالنا ولكم جزاء اعمالكم " سلام عليكم " أي ويقولون لهم قولا يسلمون منه. ويقولون " لا نبتغي الجاهلين " أي لا نطلبهم ولا نجازيهم على لغوهم. واللغو الفعل الذي لا فائدة فيه، وإنما يفعله فاعله على توهم فاسد، واللغو واللغا بمعنى واحد. قال الشاعر:
عن اللغا ورفث التكلم (1) ومن أحسن الأدب الاعراض عن لغو الكلام. وقيل: ان هذه الآيات نزلت في عبد الله بن سلام، وتميم الداري، والجارود العبدي، وسلمان الفارسي لما اسلموا نزلت فيهم هذه الآيات - على ما ذكره قتادة - وقال غيره: انها نزلت في أربعين رجلا من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي صلى الله عليه وآله قبل مبعثه:
اثنان وثلاثون رجلا من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه، وثمانية قدموا من الشام: منهم بحيرا، وابرهه، والأشرف، وعامر، وأيمن وإدريس، ونافع، قال قتادة: آتاهم الله أجرهم مرتين، لايمانهم بالكتاب

(1) مر تخريجه في 2 / 132، 164، 230 من هذا الكتاب
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست