التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٧٢
لعلهم يهتدون (50) وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين (51) أربع آيات بلا خلاف.
يقول الله تعالى حكاية عن فرعون وقومه بعد ما أخبر عنهم بالاستكبار، والعلو على موسى وهارون، وترك إجابتهما انهم " قالوا أنؤمن " أي نصدق " لبشرين مثلنا " أي انسانين خلقهم مثل خلقنا، وسمي الانسان بشرا، لانكشاف بشرته، وهي جلدته الظاهرة، حتى احتاج إلى لباس يكنه، لان غيره من الحيوان مغطى البشرة بريش أو صوف أو شعر أو وبر أو صدف، لطفا من الله تعالى لهم إذ لم يكن هناك عقل يدبر أمره مع حاجته إلى ما يكنه. وهدى الانسان إلى ما يستغني به في هذا الباب. وقوله " وقومهما لنا عابدين " معناه انهم لنا مطيعون طاعة العبد لمولاه. وقال قوم: معناه إنهم يذلون لنا ويخضعون. وقال أبو عبيدة: كل من دان لملك، فهو عابد له، ومنه سمي أهل الحيرة العباد، لأنهم كانوا يطيعون ملوك العجم. قال الحسن: كان بنوا إسرائيل يعبدون فرعون. وفرعون يعبد الأوثان.
ثم اخبر عنهم انهم كذبوا موسى وهارون، فكان عاقبة تكذيبهما أن أهلكهم الله وغرقهم. والاهلاك إلقاء الشئ بحيث لا يحس به، فهؤلاء هلكوا بالعذاب ويقال للميت: هالك من هذا المعنى.
ثم اقسم تعالى انه آتى موسى الكتاب يعني التوراة التي فيها ما يحتاجون إليه لكي يهتدوا إلى طريق الحق، من معرفة الله وخلع الأنداد.
وقوله " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " معناه جعلناهما حجة، على أنه تعالى قادر على اختراع الأجسام من غير شئ، كما اخترع عيسى من غير أب. والآية - ههنا - في عيسى (ع) أنه ولد من غير فحل، ونطق في المهد. وفى أمه أنها حملته
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست