فان قيل كيف دعا نوح ابنه إلى الركوب معه في السفينة مع أن الله تعالى نهاه أن يركب فيها كافرا. قلنا: فيه جوابان: أحدهما - أنه دعاه إلى الركوب بشرط أن يؤمن. الثاني - قال الحسن والجبائي: انه كان ينافق باظهار الايمان.
فان قيل: هلا كان ما صار إليه ابن نوح من تلك الحال الهائلة إلجاء؟.
قلنا: لا. لان الالجاء لا يكون إلا بأحد شيئين: أحدهما - بأن يخلق فيه العلم بأنه متى رام خلافه منع منه. الثاني - تتوفر الدواعي من ترغيب أو ترهيب، ولم يحصل له واحد من الامرين، لأنه جوز أن يكون من عجائب الزمان، وأنه وقع إلى نوح علم به، فتقدم فيه. وقوله " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " حكاية لما قال نوح لولده حين " قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء " بأنه لا مانع اليوم من أمر الله. واستثنى من رحم، وقيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها - أنه استثناء منقطع، كأنه قال من رحم فإنه معصوم. الثاني - لا عاصم إلا من رحمنا برحمة الله سبحانه لنا كأنه قال: لا عاصم إلا من عصمه الله فنجا، وهو نوح عليه السلام، وهو اختيار أبي علي النحوي. وقال: لأنه يحتمل أن يكون (عاصم) بمعنى معصوم مثل دافق بمعنى مدفوق، فيكون الاستثناء متصلا. وقال ابن كيسان: لما قال (لا عاصم) كان معناه لا معصوم، لان في نفي العاصم نفي المعصوم ثم قال " إلا من رحم " فاستثناه على المعنى ويكون متصلا. وقوله " وحال بينهما الموج " إخبار منه تعالى انه حال بين نوح وولده الموج، " فكان من المغرقين ".
قوله تعالى:
وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين (44) آية