تعالى قد ميز أهل النار من أهل الجنة في الدنيا بالتسمية والحكم والشهادة جاز ان يقول ذرأناهم اي ميزنا هم. ثم وصفهم بصفة تخالف أوصاف أهل الجنة يعرفون بها فقال " لهم قلوب لا يفقهون بها " إلى آخرها.
ويجوز أن يكون قوله " ذرأنا " بمعنى سنذرأ كما قال: " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار " (1) بمعنى سينادون، فكأنه قال سيخلقهم خلقا ثانيا للنار بأعمالهم التي تقدمت منهم في الدنيا إذ كانوا استحقوا النار بتلك الاعمال. ولا يجوز أن يكون معنى الآية إن الله خلقهم لجهنم وأراد منهم ان يفعلوا المعاصي فيدخلوا بها النار، لان الله تعالى لا يريد القبيح، لان إرادة القبيح قبيحة، ولان مريد القبيح منقوص عند العقلاء تعالى الله عن صفة النقص، ولأنه قال " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (2) فبين انه خلق الخلق للعبادة والطاعة وقال " وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع " (3) وقال " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا " (4) وقال " ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " (5) وقال " إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله " (6) ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى، فكيف يقول بعد ذلك " ولقد ذرأنا لجهنم " وهل هذا إلا تناقض تنزه كلام الله عنه.
وقوله " أولئك كالانعام " يعني هؤلاء الذين لا يتدبرون بآيات الله ولا يستدلون بها على وحدانيته وصدق رسله أشباه الانعام والبهائم التي لا تفقه ولا تعلم ثم قال " بل هم أضل " يعني من البهائم، لان في البهائم ما إذا زجرتها انزجرت وإذا أرشدتها إلى طريق اهتدت. وهؤلاء لعتوهم وكفرهم لا يهتدون إلى شئ من الخيرات مع ما ركب الله فيهم من العقول التي تدلهم على الرشاد وتصرفهم عن الضلال