التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٣
الهاء في (لرفعناه) كناية عن الذي تقدم ذكره، وهو الذي آتاه اله آياته فانسلخ منها، فأخبره الله تعالى انه لو شاء لرفعه بتلك الآيات.
واختلفوا في معنى هذه المشيئة فقال الجبائي: المعنى لو شئنا لرفعناه بايمانه ومعرفته قبل ان يكفر لكن أبقيناه ليزداد الايمان، فكفر. وقال البلخي هذا اخبار عن قدرته انه لو شاء لحال بينه وبين الكفر والارتداد، وهو الذي نختاره لأنا قد بينا ان المؤمن لا يجوز ان يرتد. وقال الزجاج: معناه لو شئنا ان نحول بينه وبين المعصية لفعلنا.
وقوله " ولكنه أخلد إلى الأرض " معناه سكن إلى الدنيا وركن إليها ولم يسم إلى الغرض الاعلى. يقال أخلد فلان إلى كذا وكذا وخلد، وبالألف أكثر في كلام العرب، والمعنى إنه سكن إلى لذات الدنيا واتبع هواه أي لم نرفعه بالآيات لاتباع هواه. وقيل معنى أخلد قعد ويقال: فلا مخلد إذا أبطأ عنه الشيب ومخلد إذا لم تسقط أسنانه - هكذا ذكره الفراء - ومن الدواب الذي تبقى ثناياه حتى تخرج رباعيتاه. وأخلد بالمكان إذا أقام به، قال زهير:
لمن الديار غشيتها بالفدفد * كالوحي في حجر المسيل المخلد (1) وقال مالك بن نويرة:
بأبناء حي من قبائل مالك * وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا (2) وقال أبو عبيدة هو اللزوم للشئ والتقاعس فيه وقال سعيد بن جبير معناه ركن إلى الأرض، وقال مجاهد: معناه سكن إليها.

(1) ديوانه 268، واللسان (خلد). و (الفدفد) الفلاة التي لا شئ بها.
وقيل: هي الأرض الغليظة ذات الحصى، وقيل غير ذلك و (الوحي) الكتابة و (حجر المسيل) هو حجر صلب يكتبون فيه.
(2) الأصمعيات: 323.
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست