التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢٧
تكون من قوله " تذروه الرياح " (1) أبدلت من الواو الياء لوقوع ياء قبلها.
وحجة أبي عمرو في قراءته بالياء ان ما تقدم ذكره من الغيبة وهو قوله عز وجل " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم " كراهية ان يقولوا أو لئلا يقول، ويؤكد ذلك ما جاء بعد من الاخبار عن الغيبة وهو قوله:
" قالوا بلى ".
وحجة من قرأ بالتاء انه قد جرى في الكلام خطاب وهو قوله " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا " وكلا الوجهين حسن لان الغيب هم المخاطبون في المعنى.
وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله قال الله تعالى له: واذكر أيضا الوقت الذي اخذ الله فيه من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم الست بربكم؟.
واختلفوا في معنى هذا الاخذ فيه وهذا الاشهاد:
فقال البلخي والرماني أراد بذلك البالغين من بني آدم واخراجه إياهم ذرية قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر واشهاده إياهم على أنفسهم تبليغه إياهم وإكماله عقولهم، وما نصب فيها من الأدلة الدالة بأنهم مصنوعون وان المصنوع لابد له من صانع، وبما أشهدهم مما يحدث فيهم من الزيادة والنقصان والآلام والأمراض الدال بجميع ذلك على أن لهم خالقا رازقا تجب معرفته والقيام بشكره، وما أخطر بقلوبهم من تأكيد ذلك والحث على الفكر فيه، ثم إرساله الرسل وإنزاله الكتب، لئلا يقولوا إذا صاروا إلى العذاب: إنا كنا عن هذا غافلين، لم ينبه علينا ولم تقم لنا حجة عليه ولم تكمل عقولنا فنفكر فيه، أو يقول قوم منهم: إنما أشرك آباؤنا حين بلغوا وعقلوا فأما نحن فكنا أطفالا لا نعقل ولا نصلح للفكر والنظر والتدبير.
وقال الجبائي: أخذه ذرياتهم من ظهورهم انه خلقهم من ظهور الاباء، ثم خلقهم في أرحام الأمهات، ثم نقلهم من خلقة إلى خلقة، وصورة إلى صورة، ثم صاروا حيوانا بأن أحياهم الله في الأرحام، وأتم خلقهم، ثم أخرجهم من الأرحام بالولادة

(1) سورة 18 الكهف آية 46
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»
الفهرست