التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢٩٦
إلى وقت، يقال: أرجأت الامر إرجاء وأرجيته بالهمزة وترك الهمزة لغتان.
وقوله " اما يعذبهم وإما يتوب عليهم " فلفظة (إما) لوقوع أحد الشيئين والله أعلم بما يصير إليه أمرهم إلا أن هذا للعباد، خوطبوا بما يعلمون. والمعنى وليكن أمرهم عندكم على هذا اي على الخوف والرجاء. والآية تدل على صحة قولنا في جواز العفو عن العصاة، لأنه تعالى بين ان قوما من هؤلاء العصاة أمرهم مرجأ إلى الله: ان شاء عذبهم وان شاء قبل توبتهم فعفا عنهم فلو كان سقوط العقاب عند التوبة واجبا، لما جاز تعليق ذلك بالمشيئة على وجه التخيير، لأنهم ان تابوا وجب قبول توبتهم عند الخصم واسقاط العقاب عنهم، وان أصروا ولم يتوبوا فلا يعفي عنهم، فلا معنى للتخيير - على قولهم - وإنما يصح ذلك على ما نقوله: من أن مع حصول التوبة تحسن المؤاخذة فان عفا فبفضله وان عاقب فبعدله. وقوله " وإما يتوب عليهم " معناه وإما يقبل توبتهم. وقوله " والله عليم حكيم " معناه عالم بما يؤول إليه حالهم " حكيم " فيما يفعله بهم. والفرق بين الاخر والاخر أن الاخر يفيد أنه بعد الأول، والاخر مقابل لاحد في تفصيل ذكر اثنين أحدهما كذا والاخر كذا.
وقال مجاهد وقتادة: الآية نزلت في هلال بن أمية الرافعي وفزارة بن ربعي وكعب بن مالك من الأوس والخزرج، وكان كعب بن مالك رجل صدق غير مطعون عليه، وإنما تخلف توانيا عن الاستعداد حتى فاته المسير وانصرف رسول الله ولم يعتذر إليه بالكذب. وقال: والله ما لي من عذر، فقال صلى الله عليه وآله: صدقت فقم حتى يقضي الله فيك. وجاء الرجلان الاخر ان فقالا مثل ذلك وصدقا، فنهي رسول الله صلى الله عليه وآله عن كلامهم بعد ما عذر المنافقين وجميع المتخلفين، وكانوا نيفا وثمانين رجلا فأقام هؤلاء الثلاثة على ذلك خمسين ليلة حتى هجرهم ولدانهم ونساؤهم طاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله بأمره. وبنى كعب خيمة على سلع يكون فيها وحده. وقال في ذلك:
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»
الفهرست