التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢١٧
وقال الفراء: والذي يتقدم به رجل بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة وكان رئيس الموسم، فيقول: أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ولا يرد لي قضاء فيقولون:
نعم صدقت انسئنا شهرا أو أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر وأحل المحرم فيفعل ذلك. وإنما دعاهم إلى ذلك توالي ثلاثة اشهر حرم لا يغيرون فيها وكان معاشهم في الغارة. والذي كان ينسأها حين جاء الاسلام هو جنادة بن عوف بن أبي أمية وكان في بني معد إن قبل بنو كنانة قال الشاعر:
ألسنا الناسئين على معد * شهور الحل نجعلها حراما (1) وقال ابن عباس كانوا يجعلون المحرم صفرا وقال أبو علي: كانوا يؤخرون الحج في كل سنة شهرا وكان الذين ينسئون بنو سليم، وغطفان، وهوازن، ووافق حج المشركين في السنة التي حج فيها أبو بكر في ذي القعدة، فلما حج النبي صلى الله عليه وآله في العام المقبل وافق ذلك في ذي الحجة فلذلك قال: ألا إن الزمان قد استدركه كهيئة يوم خلق السماوات والأرض وقال مجاهد: فكان النسئ المنهي عنه في الآية تأخير الأشهر الحرم عما رتبها الله، وكانوا في الجاهلية يعملون ذلك وكان الحج يقع في غير وقته واعتقاد حرمة الشهر في غير أوانه، فبين تعالى أن ذلك زيادة في الكفر.
قال أبو علي: من قرأ " يضل " بفتح الياء وكسر الضاد قال الذين كفروا لا يخلوا أن يكونوا مضلين لغيرهم أو ضالين هم في أنفسهم فإذا كان كذلك لم يكن في حسن اسناد الضلال في قوله " يضل " اشكال، ألا ترى أن المضل لغيره ضال بفعله اضلال غيره كما أن الضال في نفسه الذي لم يضله غيره لا يمتنع اسناد الضلال إليه ومن ضم الياء وكسر الضاد فمعناه ان كبراءهم واتباعهم يضلونهم بأمرهم إياهم بحملهم على هذا التأخير في الشهور. وروي في التفسير ان رجلا من كنانة يقال له أبو ثمامة كان يقول للناس في منصرفهم من الحج إن آلهتكم قد أقسمت

(١) قائله الكميت. تفسير القرطبي ٨ / 138
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»
الفهرست