التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٨٨
بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون (18) آية.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو " مسجد الله " على التوحيد. الباقون على الجمع، فمن قرأ على التوحيد، قال الحسن أراد به المسجد الحرام وبه قال الجبائي. ويحتمل أن يكون أراد المساجد كلها، لان لفظ الجنس يدل على القليل والكثير. ومن قرأ على الجمع يحتمل أن يكون أراد جميع المساجد. ويحتمل أن يكون أراد المسجد الحرام. وإنما جمع لان كل موضع منه مسجد يسجد عليه. والقراءتان متناسبتان.
والأصل في المسجد هو موضع السجود في العرف يعبر به عن البيت المهيأ لصلاة الجماعة فيه.
اخبر الله تعالى انه ليس لمشرك ان يعمر مسجد الله. والعمارة ان يجدد منه ما استرم من الأبنية، ومنه قولهم: اعتمر إذا زار، لأنه يجدد بالزيارة ما استرم من الحال. وقوله " شاهدين على أنفسهم بالكفر " نصب على الحال، فالشهادة خبر عن علم مشاهد بأن يشاهد المعنى أو يظهر ظهور ما يشاهد كظهور المعنى في شهادة أن لا إله إلا الله. والمعني بذلك أحد شيئين:
أحدهما - ان فيما يخبرون به دليلا على كفرهم، لان أنهم يقولون نحن كفار، ولكن كما يقال للرجل ان كلامك ليشهد انك ظالم - هذا قول الحسن.
والثاني - قال السدي: ان النصراني إذا سئل ما أنت؟ قال نصراني واليهودي يقول انا يهودي وعابد الوثن يقول مشرك فذلك شهادتهم على أنفسهم بالكفر.
وقال الكلبي: معناه شاهدين على النبي بالكفر، وهو من أنفسهم. وقوله " أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون " اخبار منه تعالى ان اعمال هؤلاء الذين شهدوا على أنفسهم بالكفر باطلة بمنزلة ما لم يعمل، لأنهم أوقعوها على وجه لا يستحق بها الثواب، وانهم مع ذلك مخلدون في نار جهنم معذبون بأنواع العذاب.
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست