التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٢٧
منها إلى جهة مكة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه نزلوا بالجانب الأدنى إلى المدينة. وقريش نزلت بالجانب الأقصى منها إلى مكة فنزلا الوادي بهذه الصفة، قد اكتنفا شفيريه. وقوله " والركب أسفل منكم " يعني أبا سفيان وأصحابه في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر. وإنما نصب أسفل، لان تقديره بمكان أسفل. فهو في موضع خفض، ونصب لأنه لا ينصرف وكان يجوز الرفع على تقدير والركب أشد سفلا منكم، ومن نصب يجوز أن يكون أراد والركب مكانا أسفل منكم بجعله ظرفا. والذي حكيناه، هو قول الحسن، وقتادة، وابن إسحاق ومجاهد والسدي.
واصل الدنيا الدنو بالواو، بدلالة قولهم دنوت إلى الشئ أدنو دنوا، فقلبت الواو ياء. ولم تقلب مثل ذلك في القصوى، لأنه ذهب بالدنيا مذهب الاسم في قولهم الدنيا والآخرة، وإن كان أصلها صفة، فخففت. لان الاسم أحق بالتخفيف.
وتقول: أدناه ادناء واستدناه استدناء، وتدانوا تدانيا. وداناه مداناة. و (العلو) قرار تحته قرار. و (السفل) قرار فوقه قرار، تقول: سفل يسفل سفلا، وتسفل تسفلا وتسافل تسافلا وسفل تسفيلا، وسافله مسافلة، وهو الأسفل، وهي السفلى.
وقوله " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد " والمواعدة وعد كل واحد من الاثنين الاخر وتواعدوا تواعدا. و (الاختلاف) مذهب كل واحد من الشيئين في نقيض الاخر، ومنه الاختلاف في الميعاد لذهاب كل واحد من الفريقين فيما يناقض الميعاد من التقدم والتأخر والزيادة والنقصان عما انعقد به الميعاد.
وقيل: اختلافهم في الميعاد بمعنى " لو تواعدتم " أيها المؤمنون على الاجتماع في الموضع الذي اجتمعتم فيه ثم بلغكم كثرة عددهم مع قلة عددكم لتأخر تم فنقضتم الميعاد، في قول ابن إسحاق. ووجه آخر " ولو تواعدتم " من غير لطف الله لكم " لاختلفتم " بالعوائق والقواطع فذكر الميعاد لتأكيد امره في الاتفاق ولولا
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست