ووصف الله تعالى بأنه ما كر يحتمل وجهين:
أحدهما - انه سمى الجزاء على المكر مكرا للازدواج، كقوله " الله يستهزئ بهم " (1) اي يجازيهم على الاستهزاء فيكون التقدير والله خير المجازين على المكر، ذكره الزجاج، والثاني - أن يكون على غير تضمن الحيلة لكن على أصل اللغة. قال أبو علي: ومكره بهم حق وصواب " وهو خير الماكرين " مكرا.
وقوله " ليثبتوك " قيل في معناه قولان:
أحدهما - ليثبتوك في الوثاق، في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة:
والثاني - قال عطا وعبد الله بن كثير، والسدي " ليثبتوك " في حبس وقال أبو علي الجبائي: معناه ليخرجوك، يقال: أثبته في الحرب إذا جرحه جراحة ثقيلة.
وقوله " أو يخرجوك " قال الفراء: أو يخرجوك علي بعير تطرد به حتى تهلك أو يكفيكموه بعض العرب. وهو قول أبي البختري وهشام.
وكان سبب ذلك أنهم تآمروا في دار الندوة، فقال عمرو بن هشام: قيدوه تتربصون به ريب المنون. وقال البختري: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه لكم. وقال أبو جهل: ما هذا برأي، ولكن اقتلوه بان يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربونه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فترضى حينئذ بنو هاشم بالدية فصوب إبليس هذا الرأي وخطأ الأولين وزيفهما، فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله بذلك فأمره بالخروج، فخرج إلى الغار، في قول ابن عباس، ومجاهد وقتادة، وهو قوله " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " ولا خلاف بين المفسرين أنه بات علي تلك الليلة، وهي الليلة التي أمر النبي صلى الله عليه وآله بالخروج على فراشه إلى أن أصبح، وكانوا يحرسونه إلى الصباح، ولما طلع الفجر ثاروا إليه