لظهور الحق، فقال لهم " آمنتم به؟ " وإنما قال لهم ذلك، لأنه توهم أن الاقدام على خلاف الملك بما عمل قبل الاذن فيه منكر يقتضي سطوة الملك بصاحبه والتنكيل به، وعندنا أن فرعون لم يعرف الله قط معرفة يستحق بها الثواب. وقال الرماني: لا يمتنع أن يكون عارفا بالله، وإنما قال هذا القول تمويها على قومه وللتحذير من مثل حال السحرة الذين أقدموا على المخالفة له في الايمان بموسى (ع).
وقوله تعالى " إن هذا لمكر مكر تموه في المدينة " معناه تواطأتم على هذا الامر لتستولوا على العباد والبلاد، فتخرجوا من المدينة أهلها وتتغلبوا عليها، والمكر قيل الاغترار بالحيلة إلى خلاف جهة الاستقامة وأصله الفتل والالتفاف كما قال ذو الرمة.
عجزاء ممكورة خمصانة قلق * عنها الوشاح وثم الجسم والعصب (1) والمكر والخدع نظائر في اللغة، وقوله " فسوف تعلمون " تهديد من فرعون لهم وتخويف من مخالفته، وإنما هدد فرعون ب (سوف تعلم)، لان فيه معنى أقدمت بالجهل على سبب الشر، فسوف تعلم حين يظهر مسببه الذي أدى إليه كيف كانت منزلته، فهو أبلغ من الافصاح به.
وقوله " لأقطعن أيديكم " فالتقطيع تكثير القطع ونظيره التفصيل والتفريق، ونقيضه التوصيل تقول: قطع قطعا وأقطع اقطاعا، وقطع تقطيعا وتقطع تقطعا واقتطع اقتطاعا وتقاطع تقاطعا واستقطع واستقطاعا وقاطع مقاطعة وانقطع انقطاعا. والأيدي جمع يد، وهي الجارحة المخصوصة، واليد النعمة، لأنها تسدي إلى صاحبها باليد. والأرجل جمع رجل وهي الجارحة التي يمشي بها من يمين وشمال. والراجل خلاف الراكب وترجل الانسان إذا نزل عن دابته واقفا على رجله، ورجله غيره، وارتجل القول ارتجالا إذا كان فيه كالراجل الذي لم يستعن بركوب غيره. ورجل الشعر إذا سرحه حاطا له