التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٤٤٠
تتقوا معاصيه لكي يرحمكم ويدخلكم الجنة ونعيم الأبد.
وفي ذلك دلالة على بطلان مذهب المجبرة: أن الله تعالى لم يرد منهم أن يتقوا ولا أن يؤمنوا.
قوله تعالى:
فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين (63) آية بلا خلاف.
هذا اخبار من الله تعالى عن قوم نوح أنه لم ينفع فيهم ذلك التخويف ولا الوعظ والزجر، وأنهم كذبوه يعني نوحا. ومعناه أنهم نسبوا خبره إلى الكذب، لان التكذيب نسبة الخبر إلى الكذب، والتصديق نسبة الخبر إلى الصدق، وهذا مما يختلف فيه معنى (فعل، وفعل).
وقوله " فأنجيناه " إخبار من الله تعالى انه أنجا نوحا، والانجاء هو التخليص من الهلكة، والاهلاك الايقاع فيها وهي المضرة الفادحة. " ومن معه " يعني وأنجا من معه من المؤمنين به " في الفلك " وهي السفن ويقع على الواحد والجمع بلفظ واحد، وأصله الدور مشتق من قولهم: فلك ثدي الجارية، إذا استدار، ومنه الفلكة والفلك من هذا، لأنه يدور على الماء كيف أداره صاحبه.
وقوله " وأغرقنا الذين كذبوا " والاغراق هو الغوص المتلف في الماء، وأصله الغوص في الشئ، فمنه أغرق في النزع، ولا تغرق في هذا الامر.
وقوله " إنهم كانوا قوما عمين " فيه بيان أنه إنما أغرقهم وأهلكهم، لأنهم كانوا عمين. والعمى الضلال عن طريق الهدى، فهم كالعمي في أنهم لا يبصرون طريق الرشد، فهم عمي عن الحق.
(٤٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 ... » »»
الفهرست