أن يحمل عليه من أن يجعل (غير) صفة ل (إله) على الموضع. فان قلت ما ينكر أن يكون " إلا الله " صفة ل (إله)؟ قيل: إن (الا) بكونها استثناء أعرف وأكثر من كونها صفة. وإنما جعلت صفة على التشبيه بغير، فإذا كان الاستثناء أولى حملنا " هل من خالق غير الله " (2) على الاستثناء من النفي في المعنى، لان قوله " هل من خالق غير الله " بمنزلة ما من خالق غير الله، ولابد من اضمار الخبر، كأنه قال: ما من خالق للعالم غير الله، ويؤكد ذلك قوله " لا إله الا الله " (3) فهذا استثناء من منفي مثل لا أجد في الدار إلا زيدا.
فأما حمزة والكسائي فإنهما جعلا (غير) صفة لخالق وأضمرا الخبر، كما تقدم. والباقون جعلوه استثناء بدلا من النفي، وهو أولى لما تقدم من الاستشهاد عليه من قوله " وما من إله إلا الله " (4).
أخبر الله تعالى وأقسم على خبره - لان اللام في قوله " لقد " لام القسم - بأنه أرسل نوحا (ع) إلى قومه وإرساله إياه هو تكليفه القيام بالرسالة وهي منزلة جليلة شريفة يستحق بها الرسول بتقلبه إياها والقيام بأعبائها أن يعظم أعلى تعظيم البشر، وأخبر أن نوحا قال لقومه " يا قوم اعبدوا الله " والعبادة هي الخضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع يعظم به من له أعظم النعم، فلذلك لا يستحق العبادة غير الله، وأخبر أنه أمرهم بأن تكون عبادتهم لله وحده، لأنه لا إله لهم غيره، ولا معبود لهم سواه. وقال لهم " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " يريد به يوم القيامة، والعذاب هو الألم الجاري على استمرار، وقد يكون غير عقاب، إلا أن المراد به - ههنا - العقاب. والعقاب الامل على ما كان من المعاصي. ولم يجعل خوفه عليهم على وجه الشك، بل أخبرهم أن هذا العذاب سيحل بهم إن لم يقبلوا