بتضعيف العين، وقد ورد بهما التنزيل، قال الله تعالى " فان تولوا فقد أبلغتكم " (1) فنقل بالهمزة، وقال " يا أيها الرسول بلغ " (2) فنقل بتضعيف العين، فعلى هذين الوجهين اختلفوا في القراءة.
وفي الآية حكاية عن قول نوح (ع) لقومه أنه قال لهم بعد ما أنكر عليهم أنه ليس به ضلالة، وانه رسول من عند الله، وأنه بلغهم ما حمله الله من رسالات ربه. والابلاغ إيصال ما فيه بيان وافهام، ومنه البلاغة، وهي إيصال المعنى إلى النفس بأحسن صورة من اللفظ. والبليغ الذي ينشئ البلاغة، لا الذي يأتي بها على وجه الحكاية. والفرق بين الابلاغ والأداء أن الأداء لما يسمع، وحسن الأداء للقراءة. والرسالات جمع رسالة، وهي جملة من البيان يحملها القائم بها ليؤديها إلى غيره. وإنما جمع - ههنا - (رسالات) وفي موضع آخر " رسالة " (3) على التوحيد، لأنه يشعر تارة بالجملة وتارة بالتفصيل، فلما دعا إلى عبادة الله وطاعته واجتناب محارمه والعمل بشريعته، كان هذا تفصيل رسالات الله تعالى. ورسالات الله حكم:
من ترغيب، وتحذير، ووعد، ووعيد، ومواعظ، ومزاجر، وحجج، وبراهين وأحكام يعمل بها، وحدود ينتهى إليها.
وقوله " وانصح لكم " فالنصيحة اخلاص النية من شائب الفساد في المعاملة. و (النصح) خلاف الغش في العمل، ولا يكون الغش إلا بسوء النية. وقوله " وأعلم من الله ما لا تعلمون " فيه حث لهم على طلب العلم من جهته، وتحذير من مخالفته، لما يعلم من العاقبة، فكأنه قال: أنا أعلم بحلول العقاب بمخالفتكم وترك القبول مني " مالا تعلمون " أنتم، ويجوز أن يريد " وأعلم من " توحيد الله وصفاته وحكمته " ما لا تعلمونه ". وفي ذلك بطلان مذهب القائلين بأن معرفة الله ضرورة - وأن من لم يعرفه ضرورة فليس