التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٩٥
إلى نفسه في جوابه مع تحريك النفس له بطريق السؤال. وقد بينا فيما مضى من الكتاب حقيقة الظلم، وأن أجود ما حدبه أن قيل: هو الضرر المحض الذي لا نفع فيه يوفى عليه، ولا دفع ضرر أعظم من دفعه، لا عاجلا ولا آجلا، ولا يكون مستحقا ولا واقعا على وجه المدافعة. وقد حد الرماني الظلم بأنه الضرر القبيح من جهة بخس الحق به، وهذا ينتقض بالألم الذي يدفع به ألم مثله، لما قلناه.
وقوله " أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب " فالنيل هو وصول النفع إلى العبد إذا أطلق، فان قيد وقع على الضرر، لان أصله الوصول إلى الشئ من نلت النخلة أنالها نيلا، قال امرؤ القيس:
سماحة ذا وبر ذا ووفاء ذا * ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر (1) والبخل منع النائل لمشقة الاعطاء.
وقيل في معنى " ينالهم نصيبهم من الكتاب " أقوال:
أحدها - قال الزجاج والفراء: هو ما ذكره الله تعالى من أنواع العذاب للكفار مثل قوله " فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى " (2) وقوله " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانكم " (3) وغير ذلك مما كتب الله في اللوح المحفوظ.
الثاني - قال الربيع وابن زيد: من الرزق والعمر، والعمل: من الخير والشر في الدنيا.
الثالث - قال مجاهد: جميع ما كتب لهم وعليهم، وهو قول عطية.
وقال بعضهم معناه ينالهم نصيبهم من خير أو شر في الدنيا، لأنه قال " حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم " وهي الانتهاء. والأجوبة الأولى أقوى

(1) ديوانه: 86. من قصيدة يمدح بها سعد بن الصباب ويهجو هانئ بن مسعود.
(2) سورة 92 الليل آية 14 - 16.
(3) سورة 3 آل عمران آية 106.
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»
الفهرست