وقوله " فمن اتقى وأصلح " معناه فمن اتقى منكم وأصلح " فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " وظاهر الآية يدل على أن من اتقى معاصي الله واجتنبها، وأصلح بأن فعل الصالحات، لا خوف عليهم في الآخرة - وهو قول الجبائي - وقال أبو بكر بن الاخشيد: لا يدل على ذلك، لان الله تعالى قال في وصفه يوم القيامة " يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى " (1) وإنما هو كقول الطبيب للمريض لا بأس عليك، ولا خوف عليك، ومعناه أن أمره يؤول إلى السلامة والعافية. والأول أقوى، لأنه الظاهر غير أن ذلك يكون لمن اتقى جميع معاصي الله، فأما من جمع بين الطاعات والمعاصي فان خوفه من عقاب الله على معاصيه لا بد منه، لأنا لا نقطع على أن الله تعالى يغفر له لا محالة، ولا نقول بالاحباط فنقول ثواب إيمانه أحبط عقاب معاصيه، فإذا اجتمعا فلا بد من أن يخاف من وصول العقاب إليه. ومن قال لفظة " اتقى " لا تطلق إلا للمؤمن من أهل الثواب، لأنها صفة مدح، فلابد من أن يكون مشروطا بالخلوص مما يحبطه، فما ذكروه أولا صحيح نحن نعتبره، لان المتقي لا يكون إلا مؤمنا مستحقا للثواب، غير أنه ليس من شرطه ألا يكون معه شئ من العقاب، بل عندنا يجتمعان، فلا يستمر ما قالوه.
قوله تعالى:
والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (35) آية أخبر الله تعالى أن الذين كذبوا بحججه وبراهينه -، ولم يصدقوه، واستكبروا عنها - انهم أصحاب النار الملازمون لها على وجه الخلود والتأبيد.
والتكذيب هو تنزيل الخبر على أنه كذب. والتصديق تنزيل الخبر على